مستفادا من أدلة شرعية تعبدية. على أن الوجه المذكور مبتن على فرض خلوّ الواقعة عن الحكم الشرعي ، وهو فرض لا واقع له.
وأما على الوجه الثاني فالظاهر التوقف ، ولا طريق لتشخيص الحكم المجهول وتعيينه. ومجرد ملكيته تعالى للعبد وأفعاله لا يقتضي نوعا كون الحكم الصادر منه هو الحظر ، بل هو تابع للواقع المفروض كونه مجهولا. كما لا مجال لتقريب الإباحة بأن الفعل منفعة خالية عن أمارات المفسدة. لأن عدم ظهور المفسدة فيه لا ينافي ثبوتها واقعا وثبوت الحظر بسببها.
الأمر الرابع : الأصول العملية التي اهتم المتأخرون هنا بالكلام فيها وتنقيح مجاريها أربعة ، وهي البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب. وهي تشترك في الجريان في الشبهات الحكمية ، الذي هو المعيار في كون المسألة أصولية. كما أن الثلاثة الأول تختص بالأحكام التكليفية ، والرابع يجري فيها وفي الأحكام الوضعية والموضوعات الخارجية.
ولم يتعرضوا لأصالة الطهارة ، وإن كانت تجري في الشبهات الحكمية أيضا ، إما لما قيل من أنها من الأصول المسلمة ، فلا تحتاج للبحث والاستدلال. أو لانصراف اهتمامهم للشك في الأحكام التكليفية ، لأهميتها وكثرة الابتلاء بها ، وليست هي كالأحكام الوضعية يقل الابتلاء بها نسبيا ، أو لتخيل كون الطهارة والنجاسة وسائر الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية ، فهي راجعة إليها ، والشك فيها شك فيها ، فيرجع فيه للأصول الأربعة المتقدمة ـ ولعله إليه يرجع ما عن شيخنا الأعظم قدسسره من رجوع أصالة الطهارة لأصالة البراءة ـ أو لتخيل كون الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع ، لا من الأحكام الشرعية ، فالشبهة فيها موضوعية لا غير ، وإن كان موضوع الشك أمرا كليا ، كالفأرة والمذي.