ولعل الأولى في ذلك أن يقال : اليقين وإن كان دخيلا في موضوع الاستصحاب ـ كما ذكرنا ـ إلا أن الظاهر أنه لم يؤخذ بما هو صفة خاصة ، بل بما هو وصول للواقع وإحراز له ، لما أشرنا إليه غير مرة من أن قضية عدم نقض اليقين بالشك التي تضمنتها أدلته قضية ارتكازية لا تعبدية ، وموضوعها ارتكازا هو اليقين بالنحو المذكور ، لا بما هو صفة خاصة. فتقوم مقامه الطرق والأصول التعبدية.
ويؤيد ذلك تسالم الأصحاب على جريان الاستصحاب في المقام ، بنحو يظهر منه كون ذلك مقتضى ارتكازاتهم الأولية غير المبتنية على التعمل والاستدلال. وقد تقدم في الفصل الثالث من مباحث القطع ما ينفع في المقام.
الأمر الثاني : الظاهر أن المراد بالشك في نصوص المقام ما يقابل اليقين ، فيعم الظن والوهم ، لأنه معناه لغة ، كما في جمهرة اللغة ، ومختار الصحاح ، ولسان العرب ، والقاموس ، ومجمع البحرين. بل في الأخير : أنه المنقول عن أئمة اللغة.
وهو المنسبق منه عرفا ، والظاهر من موارد استعماله في الكتاب المجيد ، كما يناسبه مقابلته بالإيمان والعلم في قوله تعالى : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ)(١) وقوله سبحانه : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ)(٢) ، وتعقيبه بالبيان في قوله عزّ اسمه : (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ)(٣) ، وجعله موضوعا للسؤال في قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ
__________________
(١) سورة سبأ الآية : ٢١.
(٢) سورة النساء الآية : ١٥٧.
(٣) سورة يونس الآية : ١٠٤.