المبحث الأول
في حجية الظواهر في حق من لم يقصد بالإفهام
فعن المحقق القمي قدسسره اختصاص الحجية بمن قصد بالإفهام. وقد يستدل لذلك بأن حجية الظهور مبنية على أصالة عدم الغفلة ، حيث يعول عليها في دفع احتمال غفلة المتكلم عن إقامة القرينة على خلاف ظاهر كلامه أو غفلة السامع عن القرائن المكتنفة بالكلام. أما لو لم يبتن احتمال إرادة المتكلم خلاف ظاهر كلامه على احتمال غفلتهما ، فلا دليل على حجية الظهور. وحينئذ فحيث لم يكن وظيفة المتكلم تفهيم كل أحد بل تفهيم خصوص من يقصد إفهامه ، وله إخفاء مراده عن غيره ، فلا مجال لحجية الظهور في حق من لم يقصد بالإفهام ، لاحتمال اختصاص من قصد بالإفهام بقرينة لا يطلع عليها غيره ، ولا يكون عدم اطلاعه عليها ناشئا عن غفلته ولا عن غفلة المتكلم ، ليدفع احتمال ذلك بالأصل المذكور ، ولا دافع لهذا الاحتمال.
وفيه : أن بناء العقلاء وأهل اللسان على العمل بالظواهر لا يبتني على خصوص أصالة عدم الغفلة بل الأصل عندهم عدم الصارف عن ظاهر الكلام مطلقا بعد الفحص عنه في مظانه ، من دون فرق بين من قصد بالإفهام وغيره ، كما لو وقع كتاب موجه من شخص إلى آخر بيد ثالث ، فإنه لا يتوقف عن استخراج مراد المرسل منه بحيث لو كان مضمون الكتاب متعلقا بعمله لم يكن له التساهل والتسامح معتذرا بعدم حجية ظهور الكتاب في حقه ، كما نبه لذلك غير واحد ، ويتضح مما تقدم في مبنى أصالة الظهور.
وعلى ذلك جرت سيرة العلماء في الأحكام الكلية ، حيث يأخذونها من ظواهر الأخبار مع عدم كونهم مقصودين بالإفهام منها ـ على كلام يأتي ـ وفي