حفظ الآخر ، المناسب لوجود الأمارة المرجحة لأحد طرفي الشك ، وكرفع التكليف مع الصبا والحرج والضرر والإكراه ونحوها مما يناسب عرفا التخفيف ، وكرفع حكم الرضاع عن الرضاع بعد الفطام ، المناسب لكونه في غير محله ... إلى غير ذلك مما يكون فيه الحكم الذي تضمنه الدليل الحاكم مناسبا عرفا لخصوصية مورده ، فإن الدليل الحاكم حيث يكون منبها عرفا للمناسبة المفروضة يكون ظهوره في خصوصية مورده لحكمه أقوى من ظهور الدليل المحكوم في خصوصية عنوانه لحكمه ، وذلك يناسب تقديمه عليه.
ولو فرض ورود الألسنة المذكورة في مورد خال عن المناسبة العرفية ، بحيث يكون مقتضاه تعبديا متمحضا في نفي الحكم ، فلا يبعد فقده الخصوصية الموجبة للتقديم ، بل يكون كسائر موارد التخصيص أو التقييد ، كما لعله في مثل قوله عليهالسلام : «لا صلاة إلا بطهور» (١) وقوله عليهالسلام : «من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» (٢). ولعله غير منظور لهم في اصطلاح الحكومة ، ويختص نظرهم لبا بالقسم السابق.
وبالجملة : تقديم الدليل الحاكم في هذا القسم عرفي يبتني على أقوائية ظهوره في مورده من الدليل المحكوم ، كما هو الحال في سائر موارد الجمع العرفي بين الأدلة المتنافية بدوا. وليس هو كتقديمه في القسم الأول مبنيا على تقدمه رتبة من دون تناف بينهما ، كما سبق. فالحكومة في القسمين مختلفة ملاكا. ومن ثم يحسن تسمية الحكومة في القسم الأول بالحكومة البيانية ، وفي القسم الثاني بالحكومة العرفية.
__________________
(١) الوسائل ج : ١ باب : ١ من أبواب الوضوء حديث : ١.
(٢) الوسائل ج : ٤ باب : ٢ من أبواب القيام حديث : ٢.