ورابعا : في أن الشك في فعلية التكليف في الوجه الأول للشبهة الحكمية ـ الراجعة لاحتمال صلوح شيء لمزاحمة المقتضي ـ أو الموضوعية ـ الراجعة لاحتمال وجود ما هو معلوم المزاحمة ـ مجرى للبراءة. أما الشك في فعلية التكليف في الوجه الثاني للشك في القدرة فلا بد معه من الاحتياط ، على ما سبق في التنبيه الخامس من مبحث البراءة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه إن علم بدخل القدرة في الملاك وموضوع الغرض ، أو بعدم دخلها فذاك ، وإلا فمقتضى إطلاق موضوع دليل الحكم ـ فيما لو لم يقيد بالقدرة ـ عدم دخلها في الملاك والغرض ، كما هو الحال في سائر القيود المحتملة.
إن قلت : لا مجال لإحراز عموم الملاك والغرض لحال العجز وعدم دخل القدرة فيهما من إطلاق الخطاب ، إذ بعد ظهور الخطاب في فعلية التكليف ، والعلم بعدم فعليته مع العجز يكون الإطلاق مقيدا بالقدرة لبا ، كما لو قيد بها لفظا ، وكما لو استفيد التقييد لفظا أو لبا ـ بدليل متصل أو منفصل ـ بغير القدرة من القيود التعبدية ، حيث يكون سقوط الإطلاق عن الحجية في فعلية الحكم مانعا من استفادة عموم الملاك والغرض منه.
نعم لو بيّن موضوع الغرض والملاك بطريق آخر غير الخطاب بالتكليف الظاهر في فعليته أمكن إحراز عمومه لمورد العجز.
قلت : رفع اليد عن الإطلاق بدليل التقييد إنما هو بلحاظ كونه قرينة عرفية على بيان المراد من الإطلاق وفهمه منه ، فهو تابع للنظر العرفي في فهم الأدلة والجمع بينها. ووضوح دخل القدرة في فعلية التكليف ارتكازا إنما يكون قرينة عرفا على تقييد الإطلاق من حيثية الفعلية ، لا من حيثية الغرض والملاك ، بل يكتفي العرف بالإطلاق في إحراز عدم دخل القدرة في الملاك والغرض ، فيرتبون الآثار العملية الأربعة المتقدمة ، كما يظهر بأدنى ملاحظة لطريقتهم في