أما لو كان لدليل التخيير إطلاق ـ بالنحو المذكور ـ فالمتعين عدم التعدي عن المرجحات المنصوصة إلا بدليل. وكذا بناء على التساقط مع فقد المرجح ، لأصالة عدم حجية الواجد لجهة الرجحان غير المنصوصة.
وكيف كان فالمعروف عن جماعة من الأصحاب التعدي عن المرجحات المنصوصة لكل مزية ، ونسب شيخنا الأعظم قدسسره إلى جمهور المجتهدين عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة. بل نسب في آخر تنبيهات دليل الانسداد لبعض مشايخه استظهار الاتفاق على الترجيح بكل ظن. وقال في مبحث الترجيح : «ادعى بعضهم الإجماع ، وعدم ظهور الخلاف ، على وجوب العمل بالراجح من الدليلين ، بعد أن حكى الإجماع عليه عن جماعة». وقد يستدل على ذلك بوجهين :
الأول : الإجماع المدعى فيما سبق ، فقد ذكر شيخنا الأعظم قدسسره في آخر تنبيهات دليل الانسداد أن تتبع كلماتهم يوجب الظن القوي ، بل القطع بأن بناءهم على الأخذ بكل مزية ، حيث يظهر منه أن قوة البناء على ذلك من جهة الإجماع.
لكن لا مجال لدعوى الإجماع ، فضلا عن الاستدلال به ، بعد ما سبق من عدم نهوض الإجماع بالاستدلال على أصل الترجيح ، وبعد ظهور كلام الكليني المتقدم في الاقتصار على المرجحات المنصوصة. بل لعله مذهب جميع القدماء الذين لا طريق لمعرفة آرائهم إلا النصوص التي يثبتونها في كتبهم. ولا سيما مع ظهور اعتماد بعض من صرح بالتعدي عن المرجحات المنصوصة على بعض الوجوه الاعتبارية التي لا تنهض بالاستدلال ، بنحو لا يناسب ابتناء ذلك منهم على تعبد شرعي يستكشف بإجماعهم.
ومن ثم أنكر ذلك غير واحد من المتأخرين ، خصوصا المحدثين. قال