وأما مع الاختلاف بينهم ، فلا مجال لتخيل كون تقليد كل منهم مقتضى الإطلاقات ، لما سبق في مبحث التعارض من قصور إطلاقات الحجية عن شمول المتعارضين ، وأنها لا تقتضي حجية كل منهما تخييرا. وهو الحال في السيرة بملاحظة المرتكزات العقلائية التي تبتني عليها سيرتهم في المقام ، وفي سائر موارد الرجوع لأهل الخبرة.
نعم مع تيسر العلم بأعلمية أحدهم بعينه بمرتبة معتد بها فمقتضى السيرة جواز الرجوع له ، بل تعينه للتقليد. لصلوح قوله للقرينية على خطأ المفضول المخالف له ، وخروجه عن موضوع الحجية. وهو كاف في حجية قوله ، بناء على ما سبق من حجية السيرة ما لم يثبت الردع عنها. على أنه لا يبعد تنزيل الأدلة الشرعية المتقدمة على ذلك ، بضميمة ما سبق من ورودها مورد الإمضاء للسيرة.
مضافا إلى الإجماع المدعى على تعينه للتقليد ، كما عن ظاهر السيد المرتضى في الذريعة ، وصريح المحقق الثاني. مؤيدا بما عن النهاية من أنه قول من وصل إلينا كلامه من الأصوليين ، وما في المعالم من أن تعيين الأرجح في العلم والعدالة هو قول من وصل إلينا كلامهم من الأصحاب.
ولم يعرف القول بالتخيير ـ وجواز تقليد المفضول ـ إلا بعد الشهيد الثاني. قال في التقريرات : «وصار إليه جملة من متأخري أصحابنا ، حتى صار في هذا الزمان قولا معتدا به». وهو لا يقدح في انعقاد الإجماع.
ولا أقل من الإجماع المركب على جواز تقليده ، فيتعين للتقليد بضميمة الأصل ، القاضي بالتعيين عند دوران الحجية بين التعيين والتخيير.
لكن في نهوض ذلك بالاستدلال إشكال. لعدم وضوح كونه إجماعا تعبديا ، بل لا يبعد ابتناء الإجماع المدعى على تعينه للتقليد على السيرة ،