اختيار الحكم .. تارة : بلحاظ أن النفس بطبعها تميل للفتوى بما يطابق الظنون والقناعات والاستحسانات ، بحيث قد يغفل عن عدم بلوغ ذلك مرتبة الحجية. وأخرى : بلحاظ الهوى وحبّ الظهور في ابتكار الجديد ، وإرضاء الناس ، واستقطاب أكبر عدد ممكن منهم. حيث قد تلبّس عليه النفس لأجل ذلك ، وتغفله باعتماد ما ليس بحجة. وثالثة : بلحاظ أن ما تقتضيه الأدلة قد لا يلائم السلطان ، أو الجماهير الضاغطة ، أو الظرف القائم. وفي جميع ذلك قد يؤتى حظا من القدرة على الاستدلال واللحن بالحجة ، فيبرز ما ليس دليلا بصورة الدليل.
ولا حاجز له عن التلاعب أو التسامح أو التغافل في ذلك إلا الخوف من الله تعالى ، وشدة الحذر من نكاله ، حين يلتفت إلى أن الخصم المحاسب هو الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية ، ولا يخدع بالحجج الواهية.
ومن ثم لا تستكمل الخبرة والاجتهاد في الأحكام ، ولا يتم الوثوق بالمجتهد إلا بالعدالة ، بل بالمرتبة العالية منها.
وعلى ذلك جرت سيرة المتشرعة ، ومرتكزاتهم القطعية التي تنهض بنفسها بالاستدلال ، لو لم يتم الاستدلال بالإجماع لبعض المناقشات التي لا مجال لإطالة الكلام فيها.
المسألة الثانية : لا ينبغي التأمل في أن مقتضى سيرة العقلاء عدم اعتبار الحياة في المفتي ، لعدم دخلها في ما هو المناط في حجية الرأي ، وهو كاشفيته نوعا.
ودعوى : أن موضوع الحجية هو الرأي ، ولا رأي للميت. مدفوعة ـ بعد تسليم عدم الرأي للميت ـ بأن بقاء الرأي لا دخل له في حجيته بمقتضى السيرة. غاية الأمر أنه لا بد من عدم عدول صاحب الرأي عن رأيه ، كاعتبار عدم عدول