وأما الوجه الثاني : ـ وهو سيرة المتشرعة على العمل بالخبر غير العلمي ـ فهو مما لا يظن بأحد إنكاره ، إذ لولاه لاختل نظامهم في أمور معاشهم ومعادهم ، لعدم تيسر العلم في جميع ما يبتلون به. وتحرّي طرقه وأسبابه يوجب توقفهم عن العمل في كثير من الموارد ، بل أكثرها ، وهو مخلّ بنظامهم.
ولا مجال لاحتمال سلوكهم في الشرعيات طريقا آخر غير نقل أخبار الأحكام عن الأئمة عليهمالسلام في عصورهم عليهمالسلام ونقل فتاوى المجتهدين بعد ذلك.
إذ لو كان ذلك لظهر وبان.
نعم الظاهر أن عملهم به مستند لارتكازياتهم الأولية من دون حاجة لبيان خاص من الشارع ، وإلا لظهر ، لكثرة الحاجة للسؤال عن ذلك لو لا الارتكازيات المذكورة. فسيرتهم من صغريات سيرة العقلاء ، ومن شواهد إمضائها. ومن ثم كانت أولى بالاستدلال منها ، لما سبق في أول الكلام في أقسام الإجماع العملي من عدم نهوض ظهور الأدلة في عدم الحجية ـ لو تم ـ بمعارضتها.
وأما الوجه الثالث : ـ وهو سيرة العقلاء ـ فالظاهر عدم الإشكال في ثبوتها ، وحيث كانت السيرة المذكورة ارتكازية فالأصل حجيتها ما لم يثبت الردع عنها ، كما يظهر مما تقدم منا في ذيل الكلام في أصالة عدم حجية غير العلم. بل ذكر غير واحد أن عدم ثبوت الردع في المقام كاشف عن الإمضاء ، لأن السيرة المذكورة بمرأى من الشارع الأقدس ومسمع ، فلو لم يكن مقرا لها لردع عنها ، كما ردع عن القياس ، ولو ردع عنها لوصل الردع إلينا ، كما وصلنا الردع عن القياس ، لعموم الابتلاء وتوفر الدواعي لنقله.
بل لا ينبغي الإشكال في ظهور أكثر الأدلة المتقدمة ـ من الآيات والنصوص والإجماع ـ في إمضاء السيرة المذكورة ، كما تقدم التنبيه له في جملة منها. وإن كان هذا رجوعا عن الاستدلال بها إلى الاستدلال بتلك الأدلة.