الفصل الثالث
في حجية قول اللغويين
من جملة مقدمات الظهور الكلامي تشخيص المعنى الموضوع له في مفرداته ، حيث يكون هو المعنى الظاهر بحسب الأصل ما لم تكن هناك قرينة صارفة عنه ، ولذا اشتهر أن الأصل هو الحقيقة. ولا كلام مع القطع بالمعنى الموضوع له للتبادر أو غيره من علامات الحقيقة التي تقدم الكلام فيها في مقدمة مباحث الألفاظ ، وإنما الكلام في حجية قول اللغويين في ذلك مع عدم حصول القطع منه ، فقد ذهب جماعة إلى ذلك ، واستدل عليه بوجوه ..
الأول : إجماع العلماء على الرجوع لهم والاستشهاد بكلامهم لمعرفة المراد من الكلام ، من غير تناكر منهم لذلك. ويشكل بإمكان كون رجوعهم لهم لتحصيل العلم والاطمئنان بمعنى اللفظ أو المراد منه في الاستعمال الخاص ولو بضميمة قرائن داخلية أو خارجية ، ولا طريق لإحراز كون رجوعهم لهم للبناء على حجية قولهم تعبدا بنحو يتحصل منه إجماع تعبدي حجة على ذلك.
الثاني : أنه مقتضى سيرة العقلاء على الرجوع لأهل الخبرة في كل فن ، ومنه المقام.
وفيه : أولا : أنه لم يتضح خبرتهم بتعيين المعاني الموضوع لها ، لأن ذلك وإن كان ظاهرهم بدوا ، إلا أن النظر في كلامهم مانع من الوثوق بخبرتهم في ذلك ، لكثرة المعاني التي يذكرونها للفظ الواحد بنحو يوثق بعدم وضعه لكل منها استقلالا بنحو الاشتراك اللفظي ، ويقرب كون مستندهم في ذلك مجرد الاستعمال ، من دون تفريق منهم بين مفهوم اللفظ الوضعي وخصوصيات