الفصل الثاني
في حجية الظواهر
حيث كان الكلام هو أهم أدوات البيان الذي به فضل الله تعالى الإنسان وميزه عن البهائم ، وكان للعقلاء طرق خاصة في أداء المقاصد بالكلام ومعرفتها به جروا بمقتضى مرتكزاتهم على سلوكها في مقام التفهيم والتفهم ، كانت الطرق حجة بمقتضى ما سبق في ذيل الكلام في أصالة عدم حجية غير العلم من حجية سيرة العقلاء الارتكازية ما لم يصل الردع عنها شرعا. ومن الظاهر عدم وصوله ، بل لا إشكال في عدم صدوره ، وإلا لظهر وبان ، لتوفر الدواعي على نقله لو كان. بل حيث كان يتيسر له الردع فعدم صدوره منه موجب للقطع بإمضائه للسيرة المذكورة ، وإلا كان مخلا بغرضه ، وهو قبيح منه. بل لا ريب في تحقق الإمضاء منه بعد ملاحظة حاله في جريه على طريقة العقلاء المذكورة.
هذا ولا ينبغي التأمل في عدم اقتصار العقلاء في مقام التفاهم على النصوص الكلامية الموجبة للقطع بالمراد ، بل يكتفون بالظهورات الكلامية ، ولا يعتنون باحتمال مخالفتها للمراد الجدي إلا بقرينة صارفة ، بل هي الأكثر شيوعا والأيسر تناولا ، لعدم تيسر ضبط النصوص بقواعد عامة يتفق عليها الكل لا تختلف بالأحوال والأزمنة ، لعدم الضابط للاحتمالات القريبة فضلا عن البعيدة ، فلو كان البناء على الاقتصار على ما يوجب اليقين لاضطرب أمر التفاهم ، واختلت موازينه.
ثم إن احتمال عدم مطابقة الظاهر للمراد الجدي يكون لأحد أمور ..
الأول : خروج المتكلم عن طريق العقلاء المذكور واختراعه طريقا آخر.