بل قد يستحيل جعله ، كالتخيير بين الوجوب والحرمة ، أو بين الاستحباب والوجوب ، والتخيير بين ملكية أحد الوارثين. بل المفروض في العلم الإجمالي كون المعلوم بالإجمال هو أحد الطرفين بخصوصيته مع عدم وصول الاجتهاد للخصوصية بعد.
هذا مضافا إلى استحالة الوجه المذكور من التصويب في نفسه ، لأن الاجتهاد لما كان راجعا إلى التحري عن الأحكام الشرعية ، ثم إثباتها ، كان متأخرا عنها رتبة ، ومتفرعا عليها تفرع مقام الإثبات على مقام الثبوت. فلا موضوع للاجتهاد إلا في فرض جعل أحكام يجتهد المجتهد في الوصول إليها ، لا مع العلم بعدم جعل حكم في الواقعة. وقد تقدم في أول الكلام في القطع الموضوعي ما ينفع في المقام.
والرجوع إلى بعض ما ينقل من كلماتهم في وجه البناء على التصويب شاهد باختلاط مقام الإثبات عليهم بمقام الثبوت ، ومقام التنجيز بمقام الجعل ، فحيث كان إثبات التكليف وتنجزه متفرعا على الاجتهاد في الجملة تخيلوا إناطة الجعل به. وهو ظاهر الوهن.
المسألة الثالثة : لا إشكال في جواز الفتوى للمجتهد بالحكم الشرعي الواقعي مع العلم الحقيقي به ، لضرورة ، أو إجماع ، أو غيرهما. وكذا مع قيام الحجة عليه عنده ، بناء على جواز الإخبار بالواقع اعتمادا عليها. لكن الظاهر عدم تمامية المبنى المذكور ، وأنه لا بد معه من ابتناء الخبر على بيان مفاد الحجة ، لا على بيان الواقع.
فالعمدة في المقام : أن ظاهر حال أهل الفتوى هو ابتناء الفتوى منهم على بيان مفاد الحجة ومقتضى الوظيفة ، لا على بيان الواقع ، لعدم تعلق غرض المفتي والمستفتي ببيان الحكم الواقعي ، بل ببيان ما ينبغي العمل عليه من مفاد