بقي في المقام تنبيهات ..
الأول : لا فرق في أدلة البراءة المتقدمة بين عدم النص وإجماله ، لعدم صلوح النص المجمل للبيان ، ليرتفع معه موضوع أدلة البراءة. والظاهر عدم الإشكال في ذلك لو كان الإجمال ناشئا من إجمال ما يدل على الحكم ، كما لو دار الأمر الوارد من الشارع بين الوجوب والاستحباب ، أو النهي بين الحرمة والكراهة.
أما لو كان ناشئا من إجمال ما يدل على متعلق التكليف ـ كما لو فرض إجمال لفظ الغناء بالإضافة إلى بعض الموارد ، أو إجمال العموم الأفرادي بين الأقل والأكثر ـ فقد يتوهم لزوم الاحتياط ، لصلوح الدليل لإثبات التكليف بمتعلقه المجمل على ما هو عليه ، فيجب إحراز الفراغ عنه بالاحتياط.
وفيه : أن أخذ العنوان اللفظي في متعلق التكليف ليس إلا بلحاظ حكايته عن معناه وما أريد منه ، فليس المكلف به إلا المعنى ، وحيث فرض إجمال العنوان فهو لا يصلح للبيان بالإضافة إلى مورد الشك وإن احتمل إرادته واقعا ، بل يبقى التكليف به خاليا عن الدليل ، ومشمولا لأدلة البراءة.
التنبيه الثاني : الشبهة الموضوعية وإن كانت خارجة عن محل الكلام إلا أن أدلة البراءة المتقدمة شاملة لها ، بل هي المتيقن من بعضها على ما سبق. كما تضمنت جملة من النصوص جريان البراءة فيها في الموارد المتفرقة ، ولعله لذا حكي الإجماع على عدم وجوب الاحتياط فيها حتى من الأخباريين.
لكن قد يدعى أنه مع فرض ورود البيان الشرعي على التكليف الكلي يتنجز التكليف في الأفراد الواقعية ، ولا مجال لجريان البراءة في موارد الشك ، لاحتمال وجود التكليف الواقعي المنجز فيها.
إلا أنه يندفع بأن جعل الحكم الكلي الذي تتضمنه الكبريات الشرعية لا يقتضي التكليف الفعلي الصالح للاشتغال والمقتضي للامتثال إلا بفعلية