كما لا ينبغي التأمل في أن اجتماع مقتضيات الأحكام المختلفة في الموضوع الواحد ـ المعبر عنه بالتزاحم الملاكي ـ لا يقتضي جريان أحكام التزاحم الذي نحن بصدده ، فليس للمكلف الترجيح بينها بالأهمية ، فضلا عن احتمالها ، ولا التخيير مع عدمها ، بل إن أحرز جعل المولى الحكم على طبق أحدها ـ لأهميته بنظره ـ أو جعله حكما آخر لا يناسب أحدها بخصوصه فهو ، وإن لم يحرز تعين التوقف والرجوع للأصول.
بل تقدم منا أنه بناء على التحسين والتقبيح العقليين فإحراز جهة الحسن أو القبح لا يقتضي البناء على الحكم الشرعي المطابق لها ، لاحتمال المزاحم ، مع أن احتمال المزاحم فيما نحن فيه لا يمنع من البناء على فعلية الحكم الذي يحتمل وجود المزاحم له.
كما أنه يمكن فرض التزاحم ـ الذي نحن بصدده ـ حتى بناء على ما عليه الأشاعرة من عدم توقف الأحكام على المصالح والمفاسد في المتعلقات ، ولا على المصالح في نفس الأحكام.
لكنه يندفع بأنه ليس المراد بالملاك المصالح والمفاسد في متعلقات الأحكام ، أو المصالح في نفس جعل الأحكام ، التي لا بد منها بناء على مختار العدلية في التحسين والتقبيح العقليين. بل المقتضيات الموجبة لجعل الأحكام والأغراض الداعية له ، التي لا بد منها فيه كسائر الأفعال الاختيارية ، ولا يظهر من الأشاعرة إنكار ذلك ، فلا يمنع ما ذكرنا من فرض التزاحم على مختارهم.
وحينئذ فعدم جعل الحكم إن كان لعدم المقتضي له خرج عن محل الكلام.
وإن كان مع وجود المقتضي له فهو يكون .. تارة : لقصور المقتضي عن التأثير في جعل الحكم ، لوجود المزاحم له في مرتبة سابقة على جعله ، ولو كان