المسألة الثانية : اتفقت الكلمة ـ كما قيل ـ على التخطئة في العقليات ، سواء كان لها دخل بالأحكام الشرعية ، كاستلزام وجوب الشيء لوجوب مقدمته ، أم لا ، ككون الكل أعظم من الجزء. إذ ليس شأن العقل إلا إدراك الواقع ، ولا مجال لتبعية الواقع للإدراك ، لتفرع مقام الإثبات على مقام الثبوت ، وتأخره عنه رتبة ، ولا يكون المتقدم تابعا للمتأخر. بل ليس الواقع الذي يتناوله الإدراك إلا أمرا واحدا ، يصيبه من يصيبه ، ويخطئه من يخطئه.
وأما الشرعيات فقد تكرر نقل إجماع أصحابنا على التخطئة فيها ، وأن لله تعالى في كل واقعة حكما واحدا تابعا لموضوعه الواقعي ، يصيبه من يصيبه ، ويخطئه من يخطئه. بل الظاهر مفروغيتهم عنه.
وما قد ينافيه من بعض كلماتهم في حقيقة الحكم الظاهري ، والجمع بينه وبين الحكم الواقعي ونحوهما. ناشئ عن الغفلة عن منافاة ذلك للتخطئة. ولذا تكرر منهم النقض على بعض الوجوه المذكورة في كلماتهم باستلزامه التصويب ، حيث يناسب ذلك المفروغية عن بطلانه.
وكيف كان فالتصويب يتردد في كلمات القائلين والناقلين له بين وجوه ثلاثة الأول : أن الحكم في حق كل مجتهد ومن يقلده تابع لاجتهاده ، بحيث لا حكم لله تعالى في الواقعة قبل تحقق الاجتهاد.
الثاني : أن له تعالى أحكاما متعددة بعدد ما يعلم حصوله من آراء المجتهدين ، فكل مجتهد قد جعل في حقه وحق مقلديه الحكم الذي سوف يؤدي إليه اجتهاده.
الثالث : أن له حكما واحدا أوليا يشترك بين العالم والجاهل ، يصيبه من يصيبه ، ويخطئه من يخطئه ، إلا أن من أدى اجتهاده لخلافه ينقلب الحكم في حقه وحق من يقلده على طبق اجتهاده ، فالاجتهاد المخالف للواقع من سنخ