ومن الظاهر خروج الأول عن محل الكلام ، لأن عدم فعلية التكليف فيه لعدم الموضوع ، لا لعدم الابتلاء. وكذا الثاني ، لعدم اشتغال الذمة بالتكليف التعليقي ، بل ليس هو تكليفا حقيقة. نعم لو علم بتحقق ما يوجب فعلية التكليف من جهته فيما بعد لم يبعد منجزية العلم الإجمالي ، على ما يأتي في التدريجيات إن شاء الله تعالى. فلم يبق إلا الأخيران ، والكلام فيهما في مقامين :
المقام الأول
فيما لا يكون من شأن المكلف التعرض له ، لصوارف خارجية
وظاهر المحقق الخراساني قدسسره أنه هو المراد بعدم الابتلاء ، بل لعل ذلك هو مراد شيخنا الأعظم قدسسره منه ، وذكره لغيره للبناء على رجوعه إليه. وقد وجه المحقق الخراساني قدسسره عدم فعلية التكليف معه بأن الغرض من التكليف لما كان هو إحداث الداعي للمكلف نحو مقتضاه فلا موقع له مع كون حصول مقتضى التكليف مقتضى حال المكلف بطبعه مع قطع النظر عن التكليف ، حيث لا فائدة من التكليف حينئذ ، بل يكون من قبيل طلب الحاصل.
وقد أورد بعض مشايخنا قدسسره عليه بأن الغرض من التكليف الشرعي ليس مجرد حصول متعلقه في الخارج ، بل يضاف إلى ذلك صلوح التكليف للداعوية ، ليكون مقربا للعبد ، فتكمل نفسه. ولذا صح الزجر عما لا يحصل الداعي إلى فعله دائما أو غالبا ، كنكاح الأمهات وأكل لحم الإنسان والقاذورات.
ومن الظاهر أن عدم الابتلاء بالمعنى المتقدم لا يمنع من صلوح التكليف للداعوية بترويض النفس على التعبد بالنهي المولوي وجعله داعيا ولو مع الدواعي الأخرى. نعم يتجه ذلك في التكاليف العرفية ، إذ ليس الغرض منها إلا حصول متعلقها في الخارج.