الدليل الأول : الكتاب الشريف. وقد استدل منه بآيات كثيرة. ولعل عمدتها ما تضمن النهي عن القول بغير علم ، وما تضمن الأمر بالتقوى.
وتقريب الاستدلال بالأولى : أن الحكم بترخيص الشارع لمحتمل الحرمة قول بغير علم ، وافتراء عليه ، لأنه لم يأذن فيه. قال شيخنا الأعظم قدسسره : «ولا يرد ذلك على أهل الاحتياط ، لأنهم لا يحكمون بالحرمة ، وإنما يتركون الفعل لاحتمال الحرمة ، وهذا بخلاف الارتكاب ، فإنه لا يكون إلا بعد الحكم بالرخصة والعمل على الإباحة».
أقول : الترك لاحتمال الحرمة إن كان لحكم العقل فهو ـ مع ابتنائه على ما يأتي الكلام فيه ، وخروجه عن الاستدلال بالكتاب ـ قد يجري مثله من القائلين بالبراءة ، حيث يمكن استنادهم للبراءة العقلية لو لم يتم الدليل على البراءة الشرعية. وإن كان لدعوى حكم الشارع به فلا بد من الاستناد فيه للعلم ، كالقول بالبراءة الشرعية ، الذي سبق الاستدلال له بأدلة شرعية معتبرة ، وليس هو قولا بغير علم.
وتقريب الاستدلال بالثانية : أن الاحتياط في الشبهة مقتضى التقوى لله تعالى. وفيه : أن التقوى عبارة عن التوقي والتحرز عن عقابه تعالى ، فيختص بالشبهة التي يحتمل معها العقاب ، ومع تمامية أدلة البراءة العقلية والشرعية يؤمن من العقاب ولا موضوع معه للتقوى.
هذا مع النقض على الاستدلال بكلتا الطائفتين بما هو المتسالم عليه من جريان البراءة في الشبهة الموضوعية ، وما هو المعروف من الأخباريين أنفسهم من جريانها في الشبهة الوجوبية الحكمية ، حيث لا مجال لالتزام تخصيص عموم الطائفتين المتقدمتين بأدلة البراءة في الموردين المذكورين ، لإباء العموم المذكور عن التخصيص جدا ، فلا بد من البناء على ارتفاع موضوعه بالأدلة