إذا عرفت هذا فالمعروف من مذهب الأصحاب اجتزاء العامي بالتقليد. والظاهر أن خلاف بعض الأخباريين لفظي ، لأن المحكي عنهم دعوى أن ما صدر من معاصري الأئمة عليهمالسلام ، وجرت عليه سيرة الإمامية خلفا عن سلف ، ليس من التقليد ، بل هو نظير قبول الرواية المنقولة بالمعنى ، الذي لا إشكال في جوازه ، وأنه لا يجوز تقليد من يجتهد في استنباط الحكم برأيه ، بل يجب أخذ أحكام الدين من المعصومين عليهمالسلام.
ونحن متفقون معهم في حرمة أخذ الدين من غير المعصومين عليهمالسلام اعتمادا على الرأي والاستحسان ونحوهما ، كما هو دأب العامة. والتقليد الجائز عندنا هو الرجوع للعلماء لمعرفة الحكم الصادر عن المعصومين عليهمالسلام ، الذي أقروه وجعلوه نظير قبول الرواية بالمعنى.
نعم حكي عن الحلبيين وجوب الاجتهاد عينا. وهو غريب.
ويمكن الاستدلال على جواز التقليد بسيرة العقلاء على الرجوع لأهل الخبرة في جميع أمورهم ، فكل من لا يتسنى له العلم بشيء يرجع إلى العالم به.
ولو لا ذلك لاختل نظامهم في معاشهم ومعادهم ، لتعذر العلم لهم بجميع ما يحتاجون إليه. وحيث كانت السيرة المذكورة ارتكازية ، كفى في حجيتها عدم ثبوت الردع عنها ، كما تقدم أواخر الكلام في مقتضى الأصل عند الشك في الحجية.
ولا طريق لإحراز الردع عن مقتضى السيرة المذكورة. لأن ما ورد في ذم التقليد من الآيات والروايات ظاهر ، أو منصرف لتقليد الجهال في مقابل الحق والدليل ، لعصبية عمياء وحمية جاهلية ، كما أشير إليه في مثل قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ