يخرج النسخ منه حينئذ عما ذكرنا.
وإن كان المراد بهما شرح حقيقة النسخ من خصوص من لا يبتني نسخه على انكشاف الخطأ له ـ كالشارع الأقدس ـ فرارا عن محذور حكمه على خلاف ما يعلمه من الملاك. أشكل بأنه لا ملزم بخروج نسخه للحكم عن حقيقته ، إذ يكفي في دفع المحذور المذكور ثبوت المصلحة في نفس جعل الحكم على نحو الإطلاق ، وإن لم يتم ملاكه في المتعلق ، كما ذكرناه آنفا. ومن هنا لا مخرج عما ذكرناه في حقيقة النسخ.
ثم إنه لا ينبغي التأمل في أن الأصل عدم النسخ. وهو أصل قائم بنفسه لا يبتني على الاستصحاب. ولذا يجري مع الشك في نسخ كبرى الاستصحاب.
والوجه فيه بناء العقلاء عليه في أمور معاشهم ومعادهم ، حيث لا ريب بعد ملاحظة عملهم وارتكازيتهم في بنائهم في الأمور التشريعية ـ قانونية كانت أو شخصية ـ على بقائها ما لم يثبت رفعها. وإلا لاضطرب نظم التشريع ، لعدم الضابط لاحتمال النسخ ، فقد يتوجه المكلّف له ولا يتوجه له المشرع ليتصدى لرفعه ، بل قد لا يتسنى له رفعه لو توجه له. فلو كان البناء على التعويل على الاحتمال المذكور لزم فوت الغرض من التشريع واضطرب نظامه. وأدنى نظر في سيرة العقلاء الارتكازية في التكاليف الشخصية ، والقوانين الوضعية الدنيوية ، والتشريعات الدينية ـ على اختلاف الأديان ـ يوجب وضوح ذلك.
وكفى بهذه السيرة حجة بعد وضوح كونها ارتكازية عامة لم يثبت الردع عنها. بل يعلم بإمضاء الشارع الأقدس لها ، بملاحظة اتفاق العلماء ـ قولا وعملا ـ وسيرة المتشرعة ـ بما هم أهل دين ـ على ذلك ، من دون أن يبتني ذلك على أخبار الاستصحاب ، لعدم توجههم للاستدلال بها إلا في العصور المتأخرة.