أم نهاهم عنه فعصوه؟!» (١) فإنه صريح الإنكار على تصويب أحكام القضاة المختلفة تبعا لاختلاف اجتهادهم.
ومنها : ما تضمن من النصوص الكثيرة الاهتمام بحفظ الأحاديث ومدح رواتها الأمناء عليها (٢). حيث يظهر منها أن ضياع الواقع بضياعها محذور لا يتدارك بتشخيص المجتهد للوظيفة الفعلية المخالفة للواقع ، بحيث يقتضي تبدل الحكم ... إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة أو المشعرة بأن الأحكام الواقعية باقية على ما هي عليه من الفعلية ، ولا تختلف باختلاف الاجتهادات والأنظار.
ولا ملزم بالخروج عن ذلك إلا توهم أنه مقتضى الجمع بين أدلة الأحكام الواقعية وأدلة الحجج والأصول الشرعية الظاهرية ، التي يختلف مفادها باختلاف الأنظار والاجتهادات ، إذ لو لا ارتفاع الحكم الواقعي الأولي بقيام الطرق والأصول المخالفة له للزم اجتماع الحكمين المتضادين ، وتفويت الملاكات الواقعية الفعلية.
لكن يظهر اندفاع التوهم المذكور مما تقدم في أوائل مباحث الحجج في بيان حقيقة مفاد أدلة الطرق والأصول ، وكيفية الجمع بينها وبين الأحكام الواقعية ، حيث يستغنى بذلك عن التصويب.
بل مقتضى ما سبق هناك عن ابن قبة من استحالة التعبد بغير العلم ، لاستلزامه تحليل الحرام وتحريم الحلال ، كون بطلان التصويب أظهر من نصب الطرق الظنية ، لوضوح ابتناء المحذور المذكور على عدم التصويب.
__________________
(١) نهج البلاغة كلام رقم : ١٨ ص : ٦٢. والاحتجاج ج : ١ ص : ٣٨٩. وقد علق على ذلك في كتاب مصادر نهج البلاغة ج : ١ ص : ٣٦١ بما يحسن مراجعته.
(٢) راجع الوسائل ج : ١٨ باب : ٨ ، ١١ من أبواب صفات القاضي.