على أن المراد بالاستصحاب إن كان هو استصحاب عدم نسخ الحكم ، لأنه أمر حادث مسبوق بالعدم. فهو يبتني على الأصل المثبت ، لأن الأثر للحكم الشرعي ، وترتيب بقاء الحكم على عدم نسخه ـ كترتب حدوثه على جعله وارتفاعه على نسخه ـ ليس شرعيا ، بل خارجيا.
وإن أريد استصحاب نفس الحكم بلحاظ اليقين به سابقا والشك في بقائه تبعا لاحتمال نسخه ، فهو قليل الفائدة ، لأنه إنما ينفع في خصوص الوقائع التي يطرأ فيها احتمال النسخ بعد العلم بفعلية الحكم فيها تبعا لتمامية موضوعه ، كما لو احتمل يوم الجمعة نسخ غسلها بعد فعلية استحبابه.
أما الوقائع التي يطرأ فيها احتمال النسخ قبل فعلية الحكم فيها وقبل تمامية موضوعه ، فلا مجال لاستصحاب الحكم الذي يحتمل نسخه ، لعدم العلم بثبوته سابقا ، بل يعلم بعدمه تبعا لعدم فعلية موضوعه ، فيكون مقتضى الاستصحاب عدمه.
نعم قد يقال : إنه وإن لم يجر استصحاب الحكم الفعلي مع عدم تمامية الموضوع ، إلا أنه يمكن استصحاب ما يستفاد من القضايا الكبروية التشريعية التي هي بلسان القضايا التعليقية أو الحقيقية الراجعة إليها. وقد ذكروا لذلك عدة وجوه نقتصر منها على وجهين :
الأول : أن المستصحب حينئذ السببية والملازمة بين الموضوع والحكم ، فإن لها نحوا من التحقق وإن لم يوجد طرفاها ، فيقال مثلا : كانت الجنابة سببا لحرمة المكث في المسجد فهي كما كانت.
ويشكل بأن السببية والملازمة ونحوهما من الأحكام الوضعية ليست أحكاما حقيقية مجعولة ليتم ركنا الاستصحاب فيها ، بل هي منتزعة من ترتب الأحكام على موضوعاتها ، مع كون مورد العمل هو تلك الأحكام ـ المفروض