تحصيل العلم بغير ما أدى إليه الطرق غير العلمية المنصوبة له ، بل هو مكلف بالواقع بحسب أداء هذه الطرق ، بحيث يقيد بها ، لأن ذلك هو مقتضى الجمع بين جعل التكاليف الواقعية وجعل الطرق الموصلة إليها ، لا أن المكلف به هو الواقع بنفسه ، ليتنجز بالعلم الإجمالي المذكور ، ولا مؤدى الطرق بنفسه ، ليلزم التصويب أو ما يشبهه مع خطئها.
لكنه في غاية الإشكال ، إذ ليس لسان أدلة جعل الطرق على الواقع تقييده بها ، بحيث يسقط عن الفعلية في غير موردها ، بل مجرد الحكاية بها عنه وإحرازه بها إثباتا ، مع فعليته في نفسه على تقدير عدم وصوله بها ، فلا مانع من تنجزه في غير مواردها بالعلم الإجمالي المذكور.
كيف؟! وما ذكره مناف للإجماع على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل والملتفت والغافل ، بل لازمه عدم جريان الأصول في غير موارد الطرق ، للقطع بعدم التكليف ، ولا موضوع لها معه.
فالأولى الجواب عن ذلك ـ مضافا للنقض بالشبهة الوجوبية ـ بأن الطرق المذكورة وإن لم تقتض اختصاص التكليف بمواردها ، إلا أنها لما كانت منجزة للتكليف في مواردها من دون أن يعلم بثبوت التكاليف في غيرها زائدا عليها ، كانت مانعة من منجزية العلم الإجمالي المذكور ، لانحلاله بها ، على ما يأتي في التنبيه الخامس من الفصل الثاني إن شاء الله تعالى.
هذا تمام الكلام في حجج القائلين بالاحتياط ، وقد عرفت وهنها. فلا مخرج عن أدلة البراءة العقلية والشرعية. والحمد لله رب العالمين.