الدليل المحكوم عموم الحكم ، وكان مقتضى الدليل الحاكم قصوره عن بعض الأفراد أو الأحوال ، لتضمنه رفع الحكم بلسان رفع الموضوع ، أو رفعه للعنوان الثانوي ، أو نحوهما. فهو نحو من التخصيص أو التقييد.
وقد حاول غير واحد توجيه تقديم الدليل الحاكم في المقام بأن الحكم الذي تضمنه وإن كان منافيا لإطلاق دليل المحكوم ، إلا أنه يتعين تقديمه عليه بسبب نظره إليه وسوقه لشرح المراد منه. قال شيخنا الأعظم قدسسره : «والفرق بينه وبين التخصيص : أن كون التخصيص بيانا للعام بحكم العقل الحاكم بعدم جواز إرادة العموم مع العمل بالخاص. وهذا بيان بلفظه ومفسر للمراد من العام ، فهو تخصيص في المعنى بعبارة التفسير».
لكنه كما ترى إنما يتجه في القسم الأول ، الذي يكون فيه الدليل الحاكم ناظرا للدليل المحكوم ، دون هذا القسم ، الذي يكون الحاكم فيه ناظرا للحكم ، دون دليله ، حيث لا يكون حينئذ مسوقا لتفسير الدليل المذكور ، ليتعين تقديمه عليه طبعا ، كما ذكرناه آنفا.
ومن هنا يتعين كون المورد من موارد التنافي البدوي بين الدليلين ، الذي يتعين فيه الجمع العرفي بتقديم الأظهر على الظاهر الذي يأتي الكلام فيه في الفصل الثاني.
وربما يكون الوجه في تقديم الحاكم ـ مع قطع النظر عن كونه أخص مطلقا في بعض الموارد ـ : أن ظهور دليله في خصوصية عنوانه كثيرا ما يكون أقوى من ظهور المحكوم ، لوروده في الأفراد أو الأحوال المشتملة على خصوصية تناسب مضمونه ، كنفي السهو في النافلة ، المناسب لعدم أهميتها ، أو عن كثير الشك ، المناسب للزوم العسر من جريان أحكام الشك فيه ، أو لخروج الشك فيه عن الوضع الطبيعي للإنسان ، أو عن الإمام أو المأموم مع