ولعل الأقرب في وجه إهمالهم لها الثاني ، وإن كان هو كبقية الوجوه لا يخلو عن إشكال ولا يسعنا إطالة الكلام فيه في ذلك ، لعدم أهميته بعد كونه أشبه بالاصطلاح الذي لا مشاحة فيه.
هذا وأما قاعدة : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، فهي وإن كان تنفع في كثير من الشبهات الحكمية ، وتقع في طريق الاستنباط ، إلا أنها إما أن تكون قاعدة اجتهادية واقعية ، أو ظاهرية راجعة إلى استصحاب عدم الضمان ، وليست أصلا برأسه. وكذا أصالة اللزوم في العقود.
الأمر الخامس : بعد أن انحصرت الأصول التي اهتم المتأخرون بالنظر فيها هنا بالأصول الأربعة المتقدمة فقد حاول غير واحد تحديد موضوعاتها مقدمة للبحث فيها ، وهو تكلف لا موجب له ، لأن تحديد موضوعاتها يبتني على الكلام فيها وفي أدلتها ، وهو يختلف باختلاف الأنظار. فالأنسب الإعراض عن ذلك ، وإيكاله إلى ما يتحصل عند النظر فيها وفي أدلتها إن شاء الله تعالى.
والأولى صرف النظر لمنهج البحث وتبويبه إجمالا فنقول : بعد فرض عدم قيام الحجة في الواقعة .. فتارة : لا تؤخذ الحالة السابقة في الوظيفة العملية ، بل لا يلحظ فيها إلا الشك.
وأخرى : تؤخذ الحالة السابقة زيادة على الشك المفروض. فالقسم الأول هو مجرى البراءة أو الاحتياط أو التخيير ، والثاني هو مجرى الاستصحاب.
ثم الشك في القسم الأول .. تارة : يكون في أصل ثبوت التكليف الإلزامي أعني الوجوب أو الحرمة.
وأخرى : يكون في تعيينه مع وحدة المتعلق ، وهو الدوران بين وجوب الشيء وحرمته وثالثة : في تعيينه مع اختلاف المتعلق ، سواء اتحد سنخه ، كما في الدوران بين القصر والتمام ، أم اختلف ، كما في الدوران بين وجوب شيء