الواقعية الثابتة في الأفعال بعناوينها الأولية أو الثانوية ، لأن آثارها لما كانت هي الأحكام الشرعية العملية ، فمع تناسب الأحكام الناشئة من جهات الحسن والقبح المجتمعة في الفعل الواحد يلزم التأكد ، ومع تضادها يلزم التزاحم المستتبع للتساقط أو الترجيح. أما مع عدم التناسب ولا التضاد بين الآثار فلا مجال للتأكد ولا للتزاحم ، بل تستقل كل جهة بأثرها ، كما هو الحال في المقام ، فإن أثر الحسن والقبح الواقعيين هو الحكم الشرعي المناسب لأحدهما ، وأثر القصد للمعصية الذي به قوام التجري ، وبه يكون الفعل تمردا على المولى وهتكا لحرمته وظلما له هو استحقاق الذم والعقاب ، ولا سنخية بين الأثرين ، ليلزم التأكد أو التزاحم ، كما يظهر بأدنى تأمل.
بقي في المقام أمور ...
الأول : أن التجري لا يختص بالقطع ، بل يجري في غيره من موارد تنجز التكليف المستند للطريق أو الأصل الشرعي أو العقلي ، مع عدم ثبوت التكليف واقعا. وظاهر شيخنا الأعظم قدسسره تحقق التجري حينئذ سواء أقدم المكلف برجاء تحقق المعصية أم لعدم المبالاة بذلك أم برجاء عدم تحققها.
وادعى بعض الأعاظم قدسسره أن التجري في الصورة الثالثة ليس بالإضافة إلى الحكم الواقعي ، بل بالإضافة إلى الطريق نفسه. ويشكل بأن الأحكام الطريقية لا تكون موضوعا للإطاعة والمعصية إلا في طول الأحكام الواقعية مع كون موضوع العقاب والثواب هو الأحكام الواقعية لا غير. وحينئذ إن أراد بالتجري في الطريق مجرد تعمد المخالفة ، فمن الظاهر أن مخالفته في الفرض المذكور حقيقية لا خطيئة لتكون تجريا ، وإنما الخطأ في الحكم الواقعي المنجز بها. وإن أراد به تعمد المخالفة لما هو موضوع العقاب والثواب فهو مختص بالحكم الواقعي المنجز بها. ومن هنا كان الظاهر أن التجري في الجميع بلحاظ الحكم الواقعي ، كاستحقاق العقاب ، لأن تعمد مخالفته في ظرف تنجزه تمرد على