ومن هنا فالظاهر ابتناء الكلام في المقام على وجود متيقن في مقام الجعل صالح للتنجيز والموافقة القطعية ـ لينحل به العلم الإجمالي ـ وعدم وجود متيقن بالنحو المذكور.
وقد ادعى بعض مشايخنا وجود المتيقن في البين ، وهو التكليف بأحد الأطراف بعنوانه الانتزاعي ، الذي يقطع بموافقته وامتثاله بأي طرف من الأطراف ، وأن الشك إنما هو في التقييد بالخصوصية ، والمرجع فيه البراءة ، كما هو الحال في الدوران بين التعيين والتخيير العقلي ، الذي يشك معه في أخذ الخصوصية زائدا على العنوان المتيقن التكليف.
أقول : عنوان أحد الأمرين ليس منتزعا من خصوصية فيهما مشتركة بينهما تصلح لأن تكون موردا للتكليف ، بل هو منتزع من نفس الخصوصيتين على ما هو عليه من التباين ، فهو لا يحكي عنهما إلا كذلك ، ولذا لا يكون كل منهما مشتملا على خصوصية زائدة على المطلوب خارجة عنه ، كما هو الحال في مورد التخيير العقلي ، حيث تكون خصوصية كل فرد خارجة عن المطلوب.
ومن ثم ذكرنا في محله أن الوجوب التخييري عبارة عن التكليف بمصداق أحد الأمرين بنحو الترديد والبدلية ، وليس عنوان «أحدهما» إلا حاكيا محضا عنهما. ولذا يشيع استبداله بالعطف ب «أو» التي مفادها معنى حرفي لا يكون موردا للتكليف.
وعليه ليس الفرق بين الوجوب التعيني والتخييري إلا في المتعلق وفي كيفية التعلق ، فالتعيين متعلق بالجامع الصالح للامتثال بالأفراد المتكثرة بنحو يقتضي تحقيق الجامع المذكور على كل حال ، والتخييري متعلق بالأطراف رأسا على ما هي عليه من التباين ، لكن بنحو يقتضي الإتيان بأحدها لا غير.
إذا عرفت هذا ظهر أنه لا مجال لدعوى وجود المتيقن في المقام ، وهو