فلما قتل منهم نحو ثلاثين رجلاً صاح به سائرهم : يا سيدنا! أما ترى ما يحلّ بنا من هؤلاء القوم! ولا ترى قصبنا لا يعمل فيهم ولا يؤثر بل ينكسر كلّه! وقد عمل فينا سلاحهم وقتل منّا من ترى!
فقال لهم : يا قوم! قد بليتم وامتحنتم وأذن في قتلكم وشهادتكم! فقاتلوا على أحسابكم ودينكم! ولا تعطوا بأيديكم فتذلّوا ، فإنكم لا تتخلصون من القتل! فموتوا كراماً أعزّاء ، واصبروا فقد وعد الله الصابرين أجراً عظيماً!
فقاتلوا حتّى قُتلوا عن آخرهم ، وأُسر أبو الخطاب فأُتي به عيسى بن موسى العباسي فأمر بقتله وصلبه وصلب أصحابه ، وبعد مدة أمر بإحراقهم فاحرقوا ، وبعث برؤوسهم إلى المنصور ، فصلبت على باب المدينة ثلاثة أيام ، ثمّ أُحرقت (١).
لم يفلت منهم إلّارجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعدّ فيهم ، فلما جنّه الليل خرج من بينهم فتخلّص ، وهو سالم بن مكرّم الجمّال ، فرحل إلى الصادق عليهالسلام وتاب ، فقال له الإمام : لا تكتن بأبي خديجة بل بأبي سلمة ، فكان ممن يروى عنه عليهالسلام (٢).
وكأنّه اغترّ بظاهر صلاتهم في المسجد بعض الشيعة منهم مراد بن خارجة قال للصادق عليهالسلام : جعلت فداك خفّ المسجد! قال : وممّ ذلك؟ قال : بهؤلاء الذين قُتلوا فيه! (يعني أصحاب أبي الخطاب) فأطرق ملياً ثمّ رفع رأسه إليه وقال له : كلّا ؛ إنهم لم يكونوا يصلّون (٣) وكأنّه اكتفى بذلك.
__________________
(١) فرق الشيعة : ٦٩ ، ٧٠ والمقالات والفرق : ٨١ ، ٨٢ وفيهما : مدينة بغداد ، وهو وهم.
(٢) اختيار معرفة الرجال : ٣٥٢ ، ٣٥٣ ، حديث ٦٦١ ، وفرق الشيعة : ٧٠ ، والمقالات : ٨١.
(٣) اختيار معرفة الرجال : ٣٠٧ ، حديث ٥٥٤ بالمعنى.