فأمر المهديّ ابنه هارون الرشيد أن يكتب إلى والي البصرة يأمره أن يخرج آل زياد من ديوان قريش بل والعرب ، وأن يعرض ولد أبي بكرة على ولاء رسول الله صلىاللهعليهوآله فمن أقرّ منهم تركه ، ومن انتمى إلى ثقيف اصطفى ماله! وأن يجعل الممتحِن منهم والمستبرئ لما عندهم : الحكم بن سمرقند (١).
فكتب بذلك إلى عبد الملك بن أيوب النُميري القيسي ، فكره أن يخرج أحد من قومه قيس إلى سواهم ، فلم ينفّذه (٢)! فعزله وولّى محمّد بن سليمان العباسي (٣) وكتب إليه كتاباً في آل زياد وأمره أن يقرأ في المسجد على جماعة الناس ، وكان في نسخة الكتاب ما يلي :
أما بعد ، فإنّ أحقّ ما حمل عليه ولاة المسلمين أنفسهم وخواصّهم وعوامهم في أُمورهم وأحكامهم ، هو العمل بينهم بما في كتاب الله والاتباع لسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والصبر على ذلك والمواظبة عليه والرضا به فيما وافقهم وخالفهم ، للذي فيه من إقامة حدود الله ومعرفة حقوقه واتباع مرضاته ، وإحراز جزائه وحسن ثوابه ، ولما في مخالفة ذلك والصدود عنه وغلبة الهوى لغيره من الضلال والخسار في الدنيا والآخرة!
وقد كان من رأي معاوية بن أبي سفيان في استلحاقه زياد بن عُبيد عبد آل علاج من ثقيف ، وادّعائه ما أباه بعد معاوية عامة المسلمين وكثير منهم في زمانه ، لعلمهم بزياد وأبي زياد وأُمه ، من أهل الرضا والفضل والورع والعلم. ولم يدعُ معاوية إلى ذلك ورع ولا هدى ولا اتباع سنّة هادية ، ولا قدوة من أئمة الحق ماضية ، إلّاالتصميم على مخالفة الكتاب والسنة والعُجب بزياد في جَلده ونفاذه!
__________________
(١) تاريخ الطبري ٨ : ١٢٩ ـ ١٣٠.
(٢) تاريخ الطبري ٨ : ١٣٢.
(٣) تاريخ خليفة : ٢٨٣ ، ٢٩٠.