وهذا القول شاذّ ، ومستنده غير واضح ، عدا ما استدل له من النبويين ، في أحدهما : « من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، إمّا أن يفادي ، وإمّا أن يقتل » (١).
وفي الثاني : « من أُصيب بدم أو خَبل » والخَبل : الجراح « فهو بالخيار بين إحدى ثلاث ، إمّا أن يقتصّ ، أو يأخذ العقل ، أو يعفو » (٢).
والخاصّيّ ، وفيه : « العمد هو القود ، أو رضاء وليّ المقتول » (٣).
وأنّ فيه إسقاط بعض الحق ، فليس للجاني الامتناع منه كإبراء بعض الدين.
وأنّ الرضاء بالدية ذريعة إلى حفظ نفس الجاني الواجب عليه.
وفي الجميع نظر ؛ لقصور الروايات سنداً ، بل ودلالةً ؛ إذ ليس فيها إلاّ الخيار بين الثلاثة في الجملة ، لا كليةً حتى لو لم يرض الجاني بالدية لكان له الخيار في أخذها ، وإنّما غايتها الإطلاق الغير المنصرف إلى هذه الصورة ، فإنّ الغالب رضاء الجاني بالدية مطلقاً ، سيّما مع اختيار الوليّ لها ، فإنّ النفس عزيزة.
مع احتمالها الحمل على التقية ؛ لكونها مذهب الشافعي وأحمد وجماعة من العامّة ، على ما حكاه عنهم بعض الأجلّة ، قال بعد نقل الخلاف عنهم : فأوجبوا الدية بالعفو وإن لم يرض الجاني (٤).
ويضعّف الثاني بمنع كون قبول الدية إسقاط حق ، بل معاوضة صرفة
__________________
(١) مسند أحمد ٢ : ٢٣٨ ، صحيح البخاري ١ : ٣٩ ، سنن البيهقي ٨ : ٥٢.
(٢) مسند أحمد ٤ : ٣١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٧٦ / ٢٦٢٤ ، سنن البيهقي ٨ : ٥٢.
(٣) التهذيب ١٠ : ١٥٨ / ٦٣٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٥٨ / ٩٧٤ ، الوسائل ٢٩ : ١٩٨ أبواب ديات النفس ب ١ ح ١٣.
(٤) كشف اللثام ٢ : ٤٦٦.