تقريبه أن الآيتين واردتان لردع المشركين عن دعوى عدم بعث الأنبياء من البشر ، والاستشهاد بعلماء أهل الكتاب لإبطال ذلك ، لأنهم يقرون ببعثهم. وهو كما ترى ، لأن مدعي ذلك من المشركين لا يرى علماء أهل الكتاب من أهل الذكر ، بل ينكر عليهم ويكذبهم كما ينكر على النبي صلىاللهعليهوآله ويكذبه ، ومن يقر لهم بذلك مع الدعوى المذكورة متناقض متعنت قد لا يحسن خطابه والاحتجاج معه.
ولا يبعد كون تفريع الأمر بسؤال أهل الذكر على إرسال الرسل ، للتنبيه إلى أن فائدة إرسالهم هداية الناس بما أنزل إليهم ، وأن على الناس اغتنام ذلك بالسؤال عما أنزل على الأنبياء وأخذه من أهله ، كما قد يناسبه قوله تعالى بعد الآية الأولى : (... وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(١). وهو المناسب لما يأتي من تفسيرها بأهل البيت عليهمالسلام.
ومثله في الإشكال ما ذكره شيخنا الأعظم قدسسره من أنه ليس المراد بأهل العلم مطلق من علم بشيء ولو بسماع رواية من الإمام ، وإلا لدلّ على حجية قول كل عالم بشيء ولو بطريق الحس ، مع أنه يصح سلب هذا العنوان عنه ، بل المتبادر من الأمر بسؤال أهل العلم سؤالهم عما يعدون عالمين به ، فينحصر مدلوله في التقليد دون الرواية.
إذ يندفع بأن الظاهر صدق العنوان على الرواة كالمجتهدين ، عملا بإطلاق العلم الشامل للحسي ، ولعله هو المناسب لمورد الآية. وصحة سلب العنوان عن من علم بشيء بطريق الحس مبني على إطلاق العنوان في الأعراف المتأخرة على خصوص العالم بطريق الحدس ، بل خصوص من يعلم بالأحكام الشرعية ، وهو لا يصلح قرينة على حمل الآية على ذلك ، والخروج
__________________
(١) سورة النحل الآية : ٤٤.