وهذان الوجهان وإن تمّا في الجملة إلا أن ذلك يختلف باختلاف أشخاص المجمعين عددا وعلما وقربا من المعصومين عليهمالسلام ، وباختلاف المسائل من حيثية مقدار الابتلاء الدخيل في وضوح حكم المسألة ، وباختلاف الأشخاص المطلعين على الإجماع في سرعة الجزم باللوازم واستيضاحها وعدمهما. ولا ضابط لذلك ، ليقع الكلام في تماميته وعدمها ، بل يوكل لنظر الفقيه في كل مسألة مسألة.
الثالث : إحرازه حدسا بقاعدة اللطف التي حكي عن الشيخ قدسسره البناء عليها ، بل تعذر الاستدلال بالإجماع لولاها.
وهي ترجع إلى امتناع اتفاق الأمة في عصر على خلاف الواقع المطابق لرأي الإمام ، بل يجب عليه حينئذ
إزاحة العلة بالظهور أو إظهار من يبين الحق في المسألة ، لطفا منه ، بملاك اللطف من الله تعالى ببعثه الأنبياء وإنزال الكتب لهداية الناس للحق ، فمتى تمّ اتفاقهم ولم ينقض من قبله عليهالسلام كشف عن موافقتهم له عليهالسلام وإصابتهم للحق الذي معه.
لكن الظاهر عدم تمامية القاعدة المذكورة ، بل لو وجب اللطف عليه تعالى لاختص مقتضاه بتهيئة سبل الهداية للكل بالطرق المتعارفة ، من إرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، ونصب الأعلام على الحق ، وإن أمكن ضياع الحق على الكل أو البعض بسبب تقصير الناس وظلمهم ومنعهم للإمام من القيام بكامل وظيفته في الهداية والإرشاد ، كما حصل فعلا في هذه الأمة وفي الأمم السابقة.
وإلا فلو وجب على الإمام حتما وعلى كل حال إزاحة العلة بمنع الإجماع من الانعقاد ، لئلا يضيع الحق على الكل ، لوجب عليه هداية الكل برفع الخلاف ، وتحقيق الإجماع من الكل على الحق ، لأن ملاك حسن الهداية للحق لا يفرق فيه بين الكل والبعض ، مع عدم وجوبه قطعا ، ولذا حصل الخلاف.