هذا وقد يستدل على الأصل المذكور ـ بعد حكم العقل والإجماع المتقدمين ـ بالكتاب والسنة.
أما الكتاب فبآيات ..
الأولى : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) ،
بناء على أن بعث الرسول كناية عن وصول البيان ، لا مجرد بعثه وإن لم يصل البيان ، فإن ذلك هو المناسب لظهور كون القضية ارتكازية ـ كما هو المناسب لسياقها الآتي ـ لما هو المرتكز عرفا من توقف العقاب على البيان.
وقد أورد شيخنا الأعظم قدسسره على الاستدلال بها بأن ظاهرها الإخبار بعدم وقوع العذاب سابقا إلا بعد بعث الأنبياء ، فيختص بالعذاب الدنيوي الواقع على الأمم السابقة. وكأنه لما اشتهر من دلالة «كان» على النسبة في الزمان الماضي.
لكن ذلك إنما يتعين إذا سلطت «كان» على النفي كما في قوله تعالى : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ)(٢) ، وقوله سبحانه : (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً)(٣).
أما إذا سلط النفي على «كان» فكثيرا ما تنسلخ عن الزمان الماضي ، ويدل التركيب على نفي النسبة مطلقا ، بل على أنه ليس من شأنها الوقوع ، كما هو المفهوم من الآية المتقدمة ونظائرها ، كقوله تعالى : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)(٤) ، وقوله سبحانه : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(٥) ، وقوله عزوجل : (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ
__________________
(١) سورة الإسراء الآية : ١٥.
(٢) سورة المائدة الآية : ٧٩.
(٣) سورة النبأ الآية : ٢٧.
(٤) سورة الكهف الآية : ٥١.
(٥) سورة الأنفال الآية : ٣٣.