بقي شيء
وهو أن مقتضى إطلاق الآية توقف العذاب على إرسال الرسول في الجملة ، ولو ببيان وجوب الاحتياط ، دون بيان خصوص التكليف المعاقب عليه. ومن ثم كانت دالة على أن البراءة مقتضى الأصل الأولي ، فلا تنافي قيام الأدلة الشرعية على وجوب الاحتياط حيث تكون رافعة لموضوع الأصل المذكور.
الثانية : قوله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)(١) ، دلت على أنه لو لا بعث الرسل لكانت الحجة للناس على الله تعالى ، وهو شاهد بأن الأصل الأولي البراءة ، ولو كان هو الاحتياط لكانت الحجة له تعالى ، ولكان العبد يستحق العقاب ، حتى مع عدم بعث الرسل.
لكن قد يشكل ذلك بأن ثبوت الحجة للناس مع عدم بعث الرسل أعم من جريان البراءة ، لأن وجوب الاحتياط على الناس مع الشك في التكليف لا ينافي وجوب اللطف عليه تعالى ببعث الرسل من أجل بيان شرايع الدين وتنبيه الغافلين ، فإن عليه تعالى أن يرفع العلة من قبله ، وإن لزم على الناس مع الشك الاحتياط للتكليف ـ بمقتضى الأصل الأولي أو الثانوي ـ لو منعت الأسباب الخارجية من معرفتهم ، ومن وصول بيانه تعالى لهم.
نعم لو ثبتت الحجة للناس مع عدم بعث الرسل في خصوص أمر العقاب ، بحيث يقبح بدون بعثهم رجع ذلك إلى المعذرية المساوقة للبراءة. لكن الآية لا تدل على ذلك بخصوصه ، وثبوت الحجة عليه تعالى أعم ، إذ قد يكون لمجرد وجوب اللطف عليه ، كما ذكرنا.
__________________
(١) سورة النساء الآية : ١٦٥.