اللهم إلا أن يستفاد ذلك من إضافة الحجة للناس ، لظهورها في كون جهة الاحتجاج تخص الناس ، وذلك إنما يكون بلحاظ عقابه تعالى لهم ، وأما وجوب اللطف المذكور عليه تعالى ـ لو تم ـ فهو أمر يخصه ولا يتعلق بالناس ، لتكون لهم الحجة بلحاظه. ومن ثم لا يبعد وفاء الآية بالمطلوب.
نعم يجري فيها ما سبق في الآية الأولى من أنها تدل على الأصل الأولي ، إذ يكفي في ارتفاع حجة الناس إرسال الرسول بوجوب الاحتياط.
الثالثة : قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(١) ، بدعوى : دلالتها على أن هلاك الهالكين لا يكون إلا عن بينة ، وبدونها لا هلاك. نعم إنما تدل على الأصل الأولي إذ يكفي في البينة بيان وجوب الاحتياط.
لكنه يشكل بأن ظاهر الآية ـ بقرينة سياقها ـ أن الغرض من جمع المسلمين والمشركين في صعيد واحد مقدمة لحرب بدر تحقق البينة للهالكين والناجين. وذلك بنفسه لا يدل على توقف الهلاك على البينة ، كما لا تتوقف النجاة عليها ، بل قد يكون لمزيد الاستظهار بإقامة الحجة ، ولا سيما مع معلومية أن المراد بالبينة هنا زيادة البيان وتأكيد الحجة ، الذي لا يتوقف عليه الهلاك قطعا ، لما هو المعلوم من سبق الحجة على صدق النبي صلىاللهعليهوآله قبل الواقعة المذكورة. فالآية أجنبية عما نحن فيه. وربما يستدل ب آيات أخرى لا مجال لإطالة الكلام فيها.
وأما السنة فبعدة أحاديث.
الأول : الموثق أو الصحيح عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليهالسلام : «قال لي : اكتب ، فأملى عليّ : إن من قولنا : إن الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم ،
__________________
(١) سورة الأنفال الآية : ٤٢.