اختلاف معنى الإيتاء ومتعلقه في الموردين. ومجرد كون الثاني أشمل لا يقتضي ظهور القضية فيه ـ بعد ما ذكرنا ـ مع كون الأول ارتكازيا مثله. غاية الأمر أن منشأ توقف التكليف بالمال على إعطائه وإيتائه هو امتناع التكليف بغير المقدور ، فعدم التكليف بغير المقدور منشأ للتعليل الذي تضمنته الآية الشريفة ، لا أنه مؤدى بها بنفسها. وكيف كان فالآية أجنبية عما نحن فيه من عدم تنجز التكليف بما لا يعلم.
وأما ما ذكره بعض الأعاظم قدسسره من أن إيتاء كل شيء بحسبه ، فإيتاء المال بإعطائه ، وإيتاء العمل فعلا أو تركا بالإقدار عليه ، وإيتاء التكليف بإيصاله والإعلام به.
فيندفع بأن الإيتاء لغة وعرفا الإعطاء ، وتعذره بالإضافة إلى غير المال من الأمور المذكورة إنما يقتضي حمله على غير معناه لو ثبت إرادتها ، ولا ملزم بها في المقام ، بل مقتضى أصالة الحقيقة عدمها. ولا سيما مع قضاء قرينة السياق بإرادة المال ، حيث يلزم من إرادتها معه حينئذ الاستعمال في المعنى الحقيقي والمجازي معا ، والتحقيق امتناعه. وخصوصا مع أن عدم تعلق التكليف بالتكليف المجهول يراد به عدم الكلفة به ظاهرا بلحاظ المؤاخذة ، وعدم تعلقه بالمال يراد به عدم التكليف به واقعا حقيقة.
هذا وقد يدعى إمكان الاستدلال بالآية بضميمة معتبر عبد الأعلى : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال : لا. قلت : فهل كلفوا المعرفة؟ قال : لا ، على الله البيان (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) و (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)» (١).
لكنه يندفع بأن المعرفة ـ التي سأل عن التكليف بها ـ بنفسها غير مقدورة
__________________
(١) الكافي كتاب التوحيد باب : البيان والتعريف ولزوم الحجة حديث : ٥ ج : ١ ص : ١٦٣.