المستقلات العقلية ـ بناء على التحسين والتقبيح ، وملازمة حكم الشارع لحكم العقل ـ لأن مرجع الملازمة ليس إلى لزوم الحكم الشرعي للحكم العقلي تكوينا ، بل إلى لزوم حفظ الشارع للملاك العقلي بجعل الحكم من قبله ، ليكون آكد في الداعوية ، لأهليته للطاعة ، أو بملاك شكر المنعم ، أو بلحاظ ما يستتبعه من الثواب والعقاب الصالحين للداعوية بملاك دفع الضرر ، الذي هو أمر فطري ، إذ قد لا يكفي الحكم العقلي في الداعوية وفي حفظ الملاك.
وأما الثاني فهو قد يستند للسبب التكويني ، وهو العلم ، لما سبق من أن حجيته ذاتية ، وقد يستند لجعل الشارع للحجج والأصول ، كما قد يستقل به العقل ، كالظن الانسدادي بناء على الحكومة.
وأما الثالث فهو مما يستقل به العقل الحاكم بوجوب إطاعة المولى ، لأهليته للطاعة ، أو بملاك شكر المنعم ، أو ثبوت الحق له بالنحو المقتضي لاستحقاق الثواب والعقاب. ويمتنع ردع الشارع عن الحكم المذكور ، للغوية جعل الحكم بدونه. نعم له رفع موضوعه وهو الحكم الشرعي ، أو رفع تنجيزه لو كان مستندا له.
هذا كله مع إحراز أن عمل المكلف طاعة للتكليف وامتثال له ثبوتا. أما مع عدم إحراز ذلك بل احتماله ، فإن كان ذلك لعدم إحراز جعل التكليف ، فهو مجرى لأصل البراءة ، على ما تقدم في الفصل الأول. وإن كان ذلك لاحتمال سقوط التكليف بالامتثال مع إحراز جعله ، فإن أحرز الامتثال شرعا أو عقلا تعين الاجتزاء به ، وإن لم يحرز الامتثال لم ينهض ما سبق بإحداث الداعي للمكلف نحو العمل على ما يطابق التكليف ، لاختصاصه بمقام الثبوت ، بل هو مبتن على أمر آخر ، وهو حكم العقل بلزوم إحراز الفراغ عن التكليف المنجز ، وعدم الأمن من مسئولية التكليف بدونه ، وهو مفاد قاعدة الاشتغال.