هذا وقد تردد في بعض كلماتهم أن المرجع في المقام هو أصالة التخيير. فإن أريد بها إلزام العقل بأحدهما تخييرا ، نظير إلزام الشارع بأحد طرفي الواجب التخييري ، والتخيير بين المتزاحمين ، أشكل بعدم الأثر عملا للإلزام المذكور بعد امتناع خلوّ المكلف عن أحد طرفي التخيير. ومن ثم لا مجال للتخيير في ذلك حتى مع تزاحم التكليفين من دون مرجح ـ الذي لا إشكال في أن مقتضى الأصل فيه التخيير ـ بأن انطبق عنوان واجب أو محرم على كل من الفعل والترك. وإن أريد بها مجرد عدم الحرج من قبل العقل في كل من الفعل والترك ، نظير تخييره مع الإباحة الواقعية فهو راجع إلى ما ذكرناه.
ثم إنه قد يدعى أن مقتضى الأصل العقلي الأولي في المقام هو مراعاة احتمال الحرمة دون الوجوب ، لأن الوجوب ناشئ عن المصلحة والحرمة ناشئة عن المفسدة ، ودفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
لكنه يشكل ـ مضافا إلى ابتنائه على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات ، لا مطلقا ولو في نفس الجعل ـ بوجهين :
الأول : أن الوجوب لما كان ناشئا عن المصلحة الملزمة كان فوتها ملازما للمفسدة ، أو لما هو من سنخها. قال شيخنا الأعظم قدسسره : «إذ مجرد فوات المنفعة عن الشخص وكون حاله بعد الفوت كحاله فيما قبل الفوت عليه لا يصلح وجها لإلزام شيء على المكلف ما لم يبلغ حدّا يكون في فواته مفسدة ...».
وعليه يتعين توجيه ما اشتهر من تبعية الأوامر للمصالح والنواهي للمفاسد بأن الواجب ما يكون له دخل في تحقيق المرتبة اللازمة من الكمال أو في حفظها ، والحرام ما له دخل في منع تحقق المرتبة المذكورة ، أو رفعها ، فلو كانت مرتبة من قوة البدن لازمة الحفظ ، فالواجب ما يكون محققا لها أو مبقيا