أما الأول فهو غير ظاهر ، لأن المهم في المقام هو بناؤهم على العمل عليه بما أنه أمر يصح الاعتماد عليه في مقام التنجيز والتعذير ـ المستتبعين للعقاب والثواب ـ في مورد الالتفات والشك ، نظير أصالة الظهور وأصالة عدم الخطأ والغفلة. ولا يكفي العمل عليه غفلة عن احتمال تبدل الحال ، لعدم ما يثيره ، أو للاطمئنان بعدم تبدله ، لغلبة أو نحوها ، أو للاحتياط في موافقة احتمال الواقع ورجاء تحصيله.
إذا عرفت هذا فالمتيقن من بناء العقلاء وسيرتهم أو سيرة كل ذي شعور إنما هو العمل على طبق الحالة السابقة لأحد الوجوه المتقدمة التي لا تنفع في المطلوب ، لا العمل عليه بالنحو المهمّ في المقام. من دون فرق في ذلك بين الشك في المقتضى والغاية والرافع. حيث لا طريق لنا لتحصيل اليقين ببنائهم على الرجوع للاستصحاب فيها جميعا أو في بعضها في مقام التعذير والتنجيز ، بنحو يتحصل لهم سيرة معتد بها صالحة للاحتجاج.
نعم لا إشكال في بنائهم عليه في الجملة في مقام التعذير والتنجيز في خصوص بعض الموارد ، كموارد الشك في السلامة والشك في النسخ ، وعدول صاحب الرأي عن رأيه ، وفي القرينة الصارفة عن ظاهر الكلام وغير ذلك. إلا أن ذلك لخصوصية الموارد المذكورة مع قطع النظر عن الاستصحاب ، فلا يكشف بناؤهم عليها عن بنائهم على الرجوع للاستصحاب الذي هو محل الكلام.
وأما الثاني ـ وهو حجية بناء العقلاء لو تمّ في المقام ـ فيظهر الكلام فيه مما تقدم في ذيل الكلام في أصالة عدم الحجية من التمهيد للكلام في مباحث الحجج ، فقد ذكرنا أن بناء العقلاء وسيرتهم إذا كانا ناشئين عن مرتكزاتهم التي أودعها الله تعالى فيهم وغرائزهم التي فطرهم عليها ـ كما هو المدعى في المقام ـ كانا تمام المقتضي للحجية ، من دون حاجة للإمضاء ، بل لا بد في رفع اليد عن