وأما ما تقدم من ظهور الحديث في فعلية اليقين حين المضي والعمل ، فهو إنما يمنع من الحمل على قاعدة اليقين ، ولا يعين الاستصحاب ، لاشتراك بقية القواعد المتقدمة معه في ذلك. على أن ظهوره في ذلك لا يقصر عن ظهوره في تنافي اليقين والشك لاتحاد موضوعهما من جميع الجهات ، الملزم بالحمل على قاعدة اليقين لا غير.
وبالجملة : الظاهر عدم نهوض الحديث للاستدلال على الاستصحاب ، بل هو مردد بينه وبين القواعد المشار إليها من دون قرينة معينة ، فيلزم البناء على إجماله.
هذا وربما يقال : عدم القرينة على تعيين شيء من هذه الوجوه يقتضي الحمل على ما يعمها جميعا ، أخذا بعموم المجاز.
وفيه أولا : أن الحمل على عموم المجاز إنما يتعين بعد العلم بإرادة معنى مجازي وتحديده مع الشك في تقييده ، لأن التقييد خلاف الأصل ، كما في المعنى الحقيقي ، بخلاف ما إذا كان الكلام صالحا للمعاني المجازية المتعددة مع احتمال إرادة ما يعمها ، لأن الجامع بينهما نجده معنى مستقل بنفسه في قبال خصوصيات المعاني يحتاج إلى قرينة تعينه مثلها.
وثانيا : أن الحمل عليه موقوف على وجود جامع عرفي بين المعاني المجازية ، ليمكن ظهور الكلام فيه ، وهو غير حاصل في المقام. كما لعله ظاهر. ومما ذكرنا في حديث الخصال يظهر الحال في مرسل المفيد قدسسره في الإرشاد عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه ، فإن اليقين لا يدفع بالشك» (١) ، لتقارب لسان الحديثين ، فما يجري في أحدهما
__________________
(١) ذكر ذلك في الفصل الذي عقده لكلامه عليهالسلام في الحكمة والموعظة ص : ١٥٩ طبع النجف الأشرف سنة ١٣٨١ ه.