مجراها في العصور المتأخرة فقد يكون لاشتهار التمسك له فيها بالنصوص المتقدمة ، ولا يكشف عن ظهور مثل هذا اللسان في الاستصحاب في عصر صدور الحديث الشريف. ولا سيما بعد ما تقدم من إطلاق مثل هذا اللسان في صحيحة زرارة الثالثة ، وصحيح ابن الحجاج وعلي ، وما في حديث الإمام زين العابدين عليهالسلام مما لا يناسب إرادة الاستصحاب جدا.
كما لا يكشف عن ظهوره في الاستصحاب بين قدماء الأصحاب بعد ما في كلام غير واحد من إطلاقه على ما يناسب قاعدة اليقين. قال في النهاية في حكم الشك في الوضوء : «فإن انصرف من حال الوضوء وقد شك في شيء من ذلك لم يلتفت إليه ومضى على يقينه» وقال في الغنية : «فإن نهض متيقنا لتكامله لم يلتفت إلى شك يحدث له ، لأن اليقين لا يترك بالشك». وحكي نحوه عن السرائر ، بل قال شيخنا الأعظم قدسسره : «ويقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء».
وأما قرينة ارتكازية التعليل ، فهي إنما تنفع في تعيين المراد من التعليل بعد الفراغ عن تعيين الحكم المعلل ، لا في مثل المقام مما لم يعين فيه نفس الحكم المعلل.
على أنه لا مجال لإنكار ارتكازية قاعدة اليقين فيما لو لم يكن ارتفاع اليقين ناشئا من انكشاف خطأ الاستناد لمستنده ، بل من الجهل بحال المستند لنسيانه ، فإن البناء على مقتضى اليقين ارتكازي لمشابهته لقاعدة الصحة. كما أن قاعدة المقتضي والمانع لا تقصر في الارتكازية عن الاستصحاب. بل قاعدة عدم نقض الحجة باللاحجة أقوى ارتكازية من الجميع ، فإنها قاعدة عقلية قطعية يكثر تسامح الناس فيها وخروجهم عنها باعتمادهم على الشبه والظنون ، فيحسن الردع عن ذلك بالإرشاد للقاعدة والتنبيه عليها.