ومن الظاهر أن رفع اليد عن الأول إنما يصح مع فرض نحو من الاتحاد بين المتعلقين يصحح التوسع بإطلاق النقض ، إذ مع فرض التباين بينهما من جميع الجهات يكون إطلاق النقض مستهجنا.
وحينئذ فكما يمكن حمله على الاستصحاب ـ بلحاظ اتحاد متعلق الوصفين ذاتا واختلافهما زمانا ـ يمكن حمله على قاعدة المقتضي والمانع. وربما يرجع إليه ما في حديث الإمام زين العابدين مع الزهري في ردع الإنسان عن توهم الرفعة على غيره ، حيث قال عليهالسلام : «فقل : أنا على يقين من ذنبي ، وفي شك من أمره ، فما لي أدع يقيني لشكي» (١). كما يمكن حمله على بيان عدم رفع اليد عن الحجة باللاحجة ، فإن متعلق اليقين والشك وإن كان مختلفا ذاتا ، لتعلق اليقين بقيام الحجة على الشيء ، وتعلق الشك بوجوده بنفسه ، إلا أن ذلك لا يمنع من إطلاق العلم بالشيء توسعا ، بتنزيل العلم بالحجة على الشيء منزلة العلم به. بل قد يطلق الشك على ما ليس بحجة ، فيتحد المتعلق حقيقة.
أما رفع اليد عن الثاني ـ وهو تحقق المنقوض في زمان الناقض ـ مع المحافظة على الأول ، فهو يقتضي الحمل على قاعدة اليقين لا غير.
وبهذا يكون التعبير المذكور صالحا لجميع الوجوه ، وليس مرددا بين الاستصحاب وقاعدة اليقين فقط. لاشتراك جميع هذه الوجوه في الاحتياج للعناية المصححة ، وفي حسن إرادته من العبارة بعد إعمال العناية. وحمله على الاستصحاب في نصوصه لقرينة المورد لا يستلزم ظهوره فيه في مثل هذا الحديث المجرد عن القرينة ، حتى مثل فهم الأصحاب ـ الذي قد يكون من القرائن الخارجية ـ لعدم ثبوت فهمهم الاستصحاب من الحديث المذكور.
وأما اشتهار التعبير عن الاستصحاب بالعبارة المذكورة أو ما يجري
__________________
(١) مجموعة ورام ج : ٢ ص : ٨٩ طبع النجف الأشرف.