التباين بينهما موضوعا وسنخا.
المقام الثالث : في الأصول غير التعبدية
وهي التي تتضمن بيان الوظيفة العملية من دون تعبد بواقع مجهول. وتنحصر ظاهرا بالبراءة والاحتياط.
وقد يشكل الأمر فيها بلحاظ أنها حيث لا تتضمن التعبد بالواقع المجهول ، بل ببيان الوظيفة العملية في الواقعة ابتداء ، الذي هو نحو من الحكم الشرعي في الواقعة ، فمقتضى الوظيفة فيها إن خالف مقتضى الحكم الواقعي عملا لزم اجتماع الضدين ، وإن وافقه لزم اجتماع المثلين.
لكن لا موقع للإشكال بناء على عدم تضمنها الحكم شرعا بالإلزام أو الترخيص في مورد الشك ، بل مجرد بيان أهمية التكليف المجهول عند الشارع بنحو يقتضي حفظه على تقدير ثبوته ، أو عدم أهميته كذلك ، حيث يكفي الأول في تنجز التكليف عقلا كما لو وصل التكليف أو عبدنا الشارع به ، والثاني في عدم تنجزه وثبوت المعذرية عنه عقلا. لوضوح أن أهمية التكليف بالنحو المذكور وعدمها من شئون التكليف الواقعي المحتمل ، من دون أن يكون حكما آخر مضادا له أو مماثلا له.
وأما بناء على تضمنها الحكم بذلك فالحكم المذكور لا يضاد الحكم الواقعي ولا يماثله ، بل هو مخالف له سنخا وفي طوله ـ لا بلحاظ أخذ الجهل به في موضوعه ـ بل لأنه راجع لمقتضى الوظيفة فيه على تقدير الجهل به من سعة تقتضي البراءة ، أو كلفة تقتضي الاحتياط. كما أنه تابع لأهميته ، لا لملاك مستقل عنه ، نظير حكم العقل الظاهري بالبراءة والاحتياط ، حيث لا يكون مخالفا للحكم المولوي الواقعي ، ولا موافقا له ، وليس هو كحكمه بالتحسين والتقبيح الواقعيين.
غايته أن حكم الشارع بأحد الأمرين إن كان مخالفا لمقتضى حكم العقل