بل الأمر في الاستصحاب أظهر ، لأن دليله لم يتضمن العمل بالحالة السابقة مع الشك تعبدا ، بل من أجل عدم نقض اليقين بالشك. فلا ينافي رفع اليد عنها بالطريق المعتبر. وبعبارة أخرى : ليس مفاد أدلته عدم نقض اليقين مع الشك ، بل عدم نقضه بالشك ، ومن الظاهر أن عدم نقض اليقين بالشك لا ينافي نقضه بقيام الطريق المعتبر.
إن قلت : هذا لا يناسب غير واحد من أدلة الأصول من إناطتها بعدم العلم ، والاقتصار في رفع مفادها عليه ، كما هو مقتضى الغاية في قولهم عليهمالسلام :
«حتى تعرف الحرام منه ...» و : «حتى تعلم أنه حرام بعينه ...» و : «حتى تعلم أنه قذر ...» و : «حتى يستيقن أنه قد نام ، حتى يجىء من ذلك أمر بيّن» والحصر في قوله عليهالسلام : «ولا تنقض اليقين أبدا بالشك ، وإنما تنقضه بيقين آخر».
قلت : المتعين تنزيل ذلك ـ ولو بمقتضى الجمع المذكور ـ على أن ذكر العلم ليس بما هو صفة خاصة ، بل بما هو طريق كاشف عن الواقع ودليل عليه ، فيقوم مقامه سائر الطرق والأمارات المعتبرة ، كما سبق عند الكلام في قيام الطرق والأمارات مقام القطع الموضوعي ، وتقدم نظيره عند الكلام في استصحاب مؤدى الطرق والأمارات في أوائل الكلام في أركان الاستصحاب. ويناسبه ما في حديث مسعدة بن صدقة من الاقتصار في صدره على العلم ، ثم قوله عليهالسلام في ذيله المتقدم : «والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة». ومرجع ذلك إلى كون الرافع لموضوع الأصول هو ثبوت الواقع ولو بغير العلم.
لكن ذلك راجع في الحقيقة إلى كون أدلة اعتبار الطرق والأمارات واردة على أدلة الأصول ، وأن قيام الطرق رافعا لموضوعها حقيقة. غاية الأمر أنه ليس لكون المراد بالشك وعدم العلم عدم قيام الحجة ، أو عدم العلم بما يعم الوظيفة