وأما الطائفة الثانية فهي ـ على كثرتها ـ أجنبية عما نحن فيه ، ولا تدل إلا على لزوم قبول ما يرد منهم عليهمالسلام في تفسير القرآن وتأويله ، وعدم الاستغناء عنهم في ذلك ـ كما عليه العامة ـ من دون أن تنهض ببيان عدم حجية ظاهره إذا لم يرد منهم ما ينافيه. وليس معنى لزوم أخذه منهم دون غيرهم ، إلا لزوم أخذ ما يحتاج للتأويل والتفسير ، دون الأخذ بالظاهر الذي هو واصل بنفسه عرفا. كما أن إرثه ليس إلا بإرث ما اختص النبي صلىاللهعليهوآله بعلمه ، دون الظواهر التي يفهمها عموم الناس.
ومنه يظهر حال الطائفة الثالثة ، فإن الأمور المذكورة فيها لا تنافي حجية ظواهر القرآن ، لعدم ابتناء العمل بها على التأويل والتفسير ، ولا على القول فيه بغير علم ، وليس هو من انتزاع الآية ، ولا من ضرب بعض القرآن ببعض ، لظهورهما في ابتناء أخذ المعنى على التكلف أو التحكم.
ومثلها في ذلك الطائفة الرابعة ، فإن وجود الظهر والبطن والناسخ والمنسوخ وغيرها في القرآن لا ينافي حجية ظواهره على الوجه المعول عليه في سائر الظواهر ، وإنما يمنع من الأخذ البدوي وإهمال القرائن الأخر التي قد تجعله من المتشابه ، وليس معنى بعده عن عقول الرجال تعذر حصول شيء منه لهم ، بل بمعنى تعذر الوصول إلى تمام ما يقصد به ، كما هو ظاهر ما في مرسلة شبيب بن أنس عن الصادق عليهالسلام : «قال : يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال : نعم. قال : يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما. ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ... وما ورثك الله من كتابه حرفا» (١).
بل هو صريح ما في رواية الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «ثم إن الله
__________________
(١) الوسائل ج : ١٨ باب : ٦ من أبواب صفات القاضي حديث : ٢٧.