يمكن أن يقال بأنّ إثبات الحكم في القسم الأوّل فيما بعد وقته من الاستصحاب ، فإنّ هذا (١) لم يقل به أحد ولا يجوز إجماعا ، وكذلك الكلام في النهي ، بل هو أولى لعدم (٢) توهّم الاستصحاب فيه ؛ لأنّ مطلقه يفيد (٣) التكرار ، والتخييري كذلك ، فالأحكام الخمسة المجرّدة عن الأحكام الوضعية لا يتصوّر فيها الاستدلال بالاستصحاب.
وأمّا الأحكام الوضعية فإذا جعل الشارع شيئا سببا لحكم من الأحكام الخمسة ـ كالدلوك لوجوب الظهر ، أو الكسوف لوجوب صلاته ، والزلزلة لصلاتها ، والإيجاب والقبول لإباحة التصرّفات والاستمتاعات في الملك والنكاح وفيه لتحريم أمّ الزوجة ، والحيض والنفاس لتحريم الصوم والصلاة ، إلى غير ذلك ـ فينبغي أن ينظر إلى (٤) كيفية سببيته (٥) هل هي على الإطلاق كما في الإيجاب والقبول فإنّ سببيته على نحو خاصّ وهو الدوام إلى أن يتحقّق المزيل (٦) وكذا الزلزلة ، أو في وقت معيّن كالدلوك ونحوه ممّا لم يكن السبب وقتا وكالكسوف والحيض ونحوهما ممّا يكون السبب وقتا للحكم ، فإنّ السببية في هذه الأشياء على نحو آخر فإنّها أسباب للحكم في أوقات معيّنة ، وجميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء ، فإنّ ثبوت الحكم في شيء من أجزاء الزمان الثابت فيه الحكم ليس تابعا للثبوت في جزء آخر ، بل نسبة السبب في اقتضاء الحكم في كلّ جزء نسبة واحدة؟ وكذا الكلام في الشرط والمانع.
فظهر ممّا مرّ أنّ الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلاّ في الأحكام الوضعية أعني الأسباب والشرائط والموانع للأحكام الخمسة من حيث إنّها كذلك ، ووقوعه فيها إنّما هو بتبعيتها كما يقال في الماء الكرّ المتغيّر بالنجاسة إذا زال تغيّره من قبل نفسه : بأنّه يجب الاجتناب عنه في الصلاة ؛ لوجوبه قبل زوال تغيّره ، فإنّ مرجعه إلى أنّ النجاسة
__________________
(١) « ز ، ك » : « إذ » بدل « فإنّ هذا ».
(٢) في المصدر : بعدم.
(٣) في المصدر : لا يفيد.
(٤) « ج ، م » : ـ إلى.
(٥) في المصدر : سببية السبب.
(٦) في المصدر : مزيل.