التوقّف.
قلت : وذلك مسلّم ومع ذلك لا يجدي فيما نحن (١) بصدده ؛ للفرق الظاهر بين العقلاء في الأمور المتعلّقة بمعاشهم وبينهم (٢) في الأمور المتعلّقة بمعادهم ، لأنّ (٣) المفروض عدم إمكان الوصول إلى واقع الواقعة عندهم في أمور المعاد ، بخلافه في أمور المعاش لإمكان الوصول إلى الواقع في ذلك ، وقد لوّحنا أنّ اللازم عند إمكان الوصول إلى الواقع هو التوقّف.
وتوضيح ذلك : أنّ بناء العرف في الأمور المستقبلة على الأخذ بالظنّ كما لا يخفى ، وعند عدم الظنّ لا يجترءون بالعمل ، وبعد فرض تعارض الأمارتين مع عدم المرجّح لا حامل لهم على الفعل ؛ لاستحالة الترجيح بلا مرجّح ، فلا مجال لعدم التوقّف عندهم ولا يجوز قياس حالهم بحالنا من حيث نحن متعبّدون بأحكام الشارع ، وإنّما الملحوظ عندنا رفع ما هو الواجب علينا والملحوظ عندهم التوصّل إلى الواقع ، ولو فرض استواء الحالين نلتزم بالتوقّف.
وتحقيق المقام وتوضيح المرام : أنّ المقامات مختلفة : فتارة : لا بدّ من الحكم بالتخيير كما عليه المشهور (٤) ، وتارة : يحكم بالتوقّف والاحتياط بين الدليلين ، وتارة : يحكم بالتساقط. أمّا مقام التخيير ففيما إذا قلنا بحجّية خبر العادل تعبّدا صرفا من غير أن يلاحظ فيها (٥) كونه طريقا إلى الواقع كما ربّما يظهر من بعضهم ، فإنّ قضيّة القاعدة التي قدّمناها في أوائل الباب هو التخيير بحسب حكم العقل بين الدليلين ، ونزيدك توضيحا ونقول : إنّ التوقّف على ذلك التقدير ممّا لا يقضي به دليل ، بل الدليل على خلافه ، كما في صورة تزاحم الحقّين (٦) والواجبين فإنّ إطلاق الدليل الدالّ على لزوم
__________________
(١) « س » : نحن فيه.
(٢) « ج ، د » : ـ بينهم.
(٣) « م » : فلأنّ. وفي « ج » : أمّا أوّلا فلأنّ.
(٤) بل نفى الخلاف عنه في المعالم كما تقدّم في ص ٥٣٧ والصفحة السابقة.
(٥) « د » : فيه.
(٦) « د » : الحقوق.