الأخذ بالدليل تعبّدا قاض بذلك مطلقا ولو حال التعارض ، وعند ذلك فيلاحظ نفس الحقّين فإن كان أحدهما أهمّ من الآخر يؤخذ به كما إذا دار الأمر بين حقوق الله وحقوق الناس على تقدير أهمّية أحدهما بالنسبة إلى الآخر كما عليه البعض ، وإن لم يكن أحدهما أهمّ من الآخر فمع وجود المرجّحات الخارجية يجب الأخذ بها ، وبدونه يحكم بالتخيير ، وليس ملاحظة الدليل الدالّ على الوجوب حينئذ وجيها ، بل يدور الأمر مدار تعيين الواجبين من غير حاجة إلى ملاحظة الدليل.
فإن قلت : لا سبيل إلى القول بوجوب العمل بكلّ من الدليلين حال التعارض ؛ لأنّ مفاد الأدلّة الدالّة على ذلك هو الوجوب العيني ، ولا يعقل تعلّق الوجوب العيني بالمكلّف حال التعارض بالنسبة إلى كلّ منهما ، والوجوب التخييري غير مستفاد منها و (١) إلاّ على وجه (٢) استعمال الألفاظ (٣) الواردة في تلك الأدلّة في الوجوب العيني والوجوب التخييري ، وهو محظور عندهم (٤).
قلت : قد قدّمنا (٥) دفع هذه الشبهة بما لا مزيد عليه ونقول أيضا : إنّ جميع الأوامر الصادرة في الشريعة مقيّدة بالإمكان العقلي ، وهذا التقييد يكفي في دفع هذه العويصة من غير حاجة إلى ملاحظة أمر آخر ، وبيانه : أنّ خبر العادل حينئذ بمنزلة قول الوالدين من وجوب العمل بقولهما ، فإذا أمر الوالدة بأمر يناقض ما أمر به الوالد لا ريب في أنّ الوجوب الفعلي الذي هو المناط في تحقّق الإطاعة والعصيان وعليه يدور الثواب والعقاب غير متحقّق بالنسبة إلى الأمرين ؛ لامتناع ذلك على قواعد العدلية ، إلاّ أنّ ذلك لا يقضي (٦) بالتصرّف في الدليل الدالّ على وجوب امتثال (٧) أوامر الوالدين ، كما أنّ عدم العلم بالتكليف لا يوجب التصرّف في دليل التكليف على
__________________
(١) كذا. والظاهر زيادة « و ».
(٢) « ج » : سبيل.
(٣) « س » : الاستعمال للألفاظ. « م » : استعمال للألفاظ.
(٤) « د » : محظور عنهم.
(٥) تقدّم ص ٥٣١.
(٦) « د » : لا يقتضي.
(٧) « س » : الامتثال.