الشارع كشف عنها ، كما استظهرنا ذلك عن اعتراض بعض المخالفين بعدم الاختيار على المفروض وجواب أصحابنا كالمحقّق الطوسي وشيخنا البهائي عنه بأنّ ترك القبيح لصارف لا ينافي الاختيار.
ثمّ إنّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين (١) القول بذاتية الصفات المستتبعة للأحكام من الحسن والقبح وبين القول باختلافها بالوجوه والاعتبار ؛ إذ على الأخير أيضا يمكن القول بجريان الاستصحاب ، بل وهذا محلّ جريانه ؛ لأنّ القول بالذاتية ينافي الاختلاف ، فيجب بقاء الأحكام وليس من الاستصحاب في شيء.
فما يظهر من محقّق القوانين ـ في مقام الردّ على من ذهب إلى أنّ عدم العلم بالناسخ كاف في استصحابه ـ من أنّه مبنيّ على القول بكون حسن الأشياء ذاتيا وهو ممنوع ، بل التحقيق أنّه بالوجوه والاعتبار (٢) لكن إعمال الاستصحاب لا يمكن إلاّ مع قابلية المحلّ كما سيجيء.
ممّا لا يكاد يخفى (٣) وجوه النظر فيه ، أمّا أوّلا : فلما عرفت من أنّه على القول بالذاتية لا مسرح للاستصحاب ، وأمّا ثانيا : فلأنّ القول بالاعتبار لا ينافي بقاء الحكم المتفرّع عليه لإمكان عدم تغيّره (٤) ، وإلاّ فكيف يعقل الاستصحاب فيما إذا شكّ في النسخ في شريعة واحدة؟ وأمّا ثالثا : فلأنّ إحراز القابلية لا ينافي القول بالوجوه والاعتبار كما يظهر من مساق كلامه ، وعلى تقديره فهو مشترك الورود بين الشريعة الواحدة والشريعتين ، فتدبّر.
وقد يورد على الاستصحاب المذكور على ما يوجد في بعض كلمات بعض الأجلّة بأنّه ممّا لا يعتنى به ؛ ضرورة أنّ الحكم الثابت في حقّ جماعة لا يمكن استصحابه في
__________________
(١) المثبت من « ك » وفي سائر النسخ : وبين.
(٢) القوانين ١ : ٤٩٥.
(٣) « م » : يحصى.
(٤) « ج ، م » : تغييره.