ثمّ لا يخفى أنّ الأخبار الواردة في المقام لو قلنا : إنّها واردة على طبق حكم العقل فتدلّ على اعتبار الاستصحاب من حيث إفادته الظنّ ، فهو أيضا دليل كأخبار الآحاد وغيرها من الأدلّة الشرعية.
وتوضيحه وتحقيقه : أنّ المعيار في كون الشيء دليلا هو كاشفيته عن الواقع على وجه به يوصل إليه ومنه يطلب أمرا واقعيا ثابتا في نفس الأمر ، فكلّما كان الشيء كاشفا ولو ظنا عن الواقع ، فهو دليل ، غاية ما في الباب عدم اعتبار الكاشف الظنّي إلاّ بعد دلالة دليل عليه ، بخلاف ما لو كان علميا ؛ إذ لا حاجة فيه إلى دليل آخر غير نفسه كما هو ظاهر.
فالاستصحاب الظنّي دليل ، سواء كان المدار في اعتباره على القاعدة العقلية التي زعمها القائل بها (١) ، أو على الأخبار ، ألا ترى أنّ جملة من الأدلّة تستفاد (٢) حجّيتها من الأدلّة الشرعية ومع ذلك لا يتوهّم خروجها عن الأدلّة.
وأمّا إذا قلنا بأنّ الأخبار الدالّة على الاستصحاب ليست مقرّرة لما استقرّ عليه بناء العقلاء من اعتبار الاستصحاب الظنّي ، بل إنّما يدلّ على الاستصحاب التعبّدي والأخذ بالحالة السابقة بترتيب آثارها عليها عند الشكّ ، فلا شكّ في عدم كونه دليلا ، فإنّه حينئذ كإحدى (٣) القواعد الشرعية من قاعدة اليد والضرر ولزوم البيع ونحوها ، فإنّ المناط في كون شيء قاعدة هو أن يكون مفادا لدليل شرعي ، ولم يكن من حيث كشفه عن الواقع وإن كشف عنه في بعض الأحيان كشفا اتّفاقيا ؛ إذ لم يكن اعتباره من هذه الحيثية ، ومن هنا انقدح أنّ قول الشارع : « إذا شككت فابن على الأكثر » (٤) قاعدة شرعية ، بخلاف ما ورد من وجوب متابعة الإمام ، فإنّه دليل من حيث كشفه عن
__________________
(١) « ز ، ك ، ل » : ـ بها.
(٢) المثبت من « م » وفي سائر النسخ : يستفاد.
(٣) « ج » : كأحد.
(٤) الوسائل ٨ : ٢١٣ ، باب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ٣ ، وفيه : « إذا سهوت ... ».