انتزاع هذه الأوصاف عن (١) محالّها ، ولا ريب أيضا في أنّ للشارع بيان هذه الأمور المحمولة على الموضوعات ككشفه عن مانعية الحدث للصلاة ، وجزئية السورة لها ، وإيراث العصيان استحقاق العقاب ، وتضعيف البدن بتكثير الحمّام ، وإضرار الميتة للبدن ، وسببية الدلوك للصلاة ، والطلاق للتحريم ، والنكاح للتحليل ، وشرب الخلّ لشدّ العقل ، ونحوها ممّا لا حدّ فيها ولا حصر لها.
وأمثال هذه البيانات في الكتاب والسنّة وجودها معلوم والمنكر مكابر ، فالحاكم بيننا وبينه بعد حكومة الإنصاف هو الرجوع إلى الأدلّة الشرعية ، ولا شبهة في أنّ هذه الأمور منسوبة إليه تعالى على نحو انتساب سلسلة الممكنات إليه ، وإنّما الكلام في أنّها من الأمور المتأصّلة التي يتعلّق بها الجعل والإبداع والإنشاء كما في الأحكام الخمسة التكليفية أو (٢) يكفي في تحقّقها وإيجادها إبداع ملزوماتها من الأحكام التكليفية وإنشائها ، فتسمية هذه الأوصاف أحكاما على الثاني مجازية باعتبار أنّ ما ينتزع منها أحكام ؛ إذ الحكم الشرعي عبارة عن جعله وإنشائه والمفروض عدم تحقّق الإنشاء والجعل فيها ، نعم يصحّ إطلاق الحكم عليها حقيقة باعتبار معناه التصديقي أو بملاحظة أنّها نسب خبرية كما لا يخفى.
وبالجملة : فالمثبت للحكم الوضعي يدّعي أنّ تلك الأمور متعلّقات للجعل بالأصالة بمعنى أنّها أمور إنشائية ، والنافي ينفيه بادّعاء كفاية إبداع الأحكام التكليفية عن إبداعها ، كما هو المقرّر عند أهل المعقول من أنّ الماهيات متعلّقات للجعل الإيجادي والتكويني أصالة ، ولوازمها مجعولات بالتبع ، فالمجعول بالذات هو الأربعة وإن استتبع جعل الزوجية أيضا ، فإنّ هذا هو الذي ينبغي أن يكون محلاّ للخلاف ، فإنكار هذه الأمور رأسا أو ادّعاء (٣) اتّحادها للأحكام التكليفية ممّا لا ينبغي أن يذهب إليه (٤) الوهم ،
__________________
(١) « ز ، ك » : من.
(٢) « ج » : إذ.
(٣) « ز ، ك » : دعوى.
(٤) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : ـ إليه.